Saturday, December 22, 2007

ديسمبر

عندما تفتح نافذتك في الصباح ليكون الهواء المثلج هو أول ما يرتطم بوجهك ، و ترى المطر يتدفق من السماء ليغسل الشوارع ، منهمرا على رؤوس أطفال تلك المدرسة القريبة ، و ترفع رأسك إلى سماء زرقاء ملبدة بالغيوم متسائلا : ترى من أين ينبثق هذا المطر ؟ و تحاول البحث عن قرص الشمس الذي يتوارى خجلا ، فتدرك أنك في ديسمبر ، و تشعر أن هذا الشتاء ملك لك إلى الأبد .

هذه إلى حبيبتي

العالم الآخر في الضمير البشري

عمر الفرد على هذا الكوكب الأرضي قصير ، و أيامه في هذا العالم الفاني محدودة . و رغبة الفرد في أن يعيش رغبة فطرية ، و حاجاته على الأرض لا تنقضي ، و آماله غير محدودة.

و لكنه يموت !
يموت و في نفسه حاجات ، و يترك على الأرض آماله ، كما يترك من خلفه أعزاء يفجعه أن يفارقهم ، و يفجعهم أن يغيب . فهلا كان لقاء بعد ذلك المغيب ؟
هذه واحدة .

و ينظر الإنسان، فيرى الخير و الشر يصطرعان ، و يشهد معركة الرذيلة و الفضيلة - أو ما يعتقده رذيلة و فضيلة - و الشر عارم ، و الرذيلة متبجحة ، و كثيرا ما ينتصر الشر على الخير ، و تعلو الرذيلة على الفضيلة ، و الفرد - في عمره المحدود - لا يشهد رد الفعل ، و لا يرى عواقب الخير و الشر .
فأما حين كان هذا الإنسان طفلا ، أو حين كان يحيى على شريعة الغاب ، فلا ضير في ذلك ولا ضرار ، إنما الأمر قوة ، و الحياة للأغلب ! و أما حين أخذ ضميره يستيقظ ، فقد عز عليه ألا تكون للخير كرة و ألا يلقى الشر جزاءه ، و الاعتقاد بوجود إلوهية عادلة يستتبع حتما جزاء على الخير و الشر ، إن لم يتم في الأرض في هذا العالم فلابد أن يتم هناك في عالم آخر .
و هذه ثانية .


ثم أيكون مصير هذا الجنس البشري الذي عمر الأرض و صنع فيها ما صنع ، كمصير أي حشرة أو دابة أو زاحفة : حياة قصيرة محدودة لا يتم فيها شيء كامل أبدا ، ثم ينتهي كل شيء إلى الأبد ؟ ...... لقد عز عليه أن يكون مصيره هو هذا المصير البائس المهين .
و هذه ثالثة



من هذه الينابيع الثلاثة التي تفجرت في الضمير الإنساني - واحدا بعد الآخر - فاضت فكرة العالم الآخر ، و كما دل النبع الأول على شعور الإنسان بقيمة الحياة ، و دل النبع الثالث على اعتزازه بجنسه ، و انتظاره أن تحسب القوى الكونية حسابا له ، فلا تجعل ختامه هو هذه الحياة الفردية القصيرة .... فكذلك دل النبع الثاني على استيقاظ ضميره ، و تنبه إحساس العدالة فيه ، و الثقة بمصاير الرذيلة و الفضيلة و الخير و الشر .

و هذه الينابيع الثلاثة هي "الإنسانية" في أعمق أعماقها و أعلى آفاقها .




من مقدمة كتاب "مشاهد القيامة في القرآن الكريم" لسيد قطب
الكتاب يمكن تحميله من هذا الرابط المباشر
http://www.mohdy.name/pdfs/sqotb005.pdf

و هنا الإسلام و مشكلات الحضارة
http://www.mohdy.name/pdfs/sqotb007.pdf

يا ريت نرى مشاركات بعد قراءة الكتاب كاملا

Saturday, December 1, 2007

القصيدة الكتكوتية

بينما كنت غارقا في قراءة كتاب مختارات من طرائف و روائع الأدب العربي لأحمد تيمور - و أنا بالمناسبة أستمتع جدا بمثل هذه الكتب - خطرت ببالي فكرة طريفة ، انتقاما من بعض أصدقائي الذين يكتبون قصائد الحب و الغزل بالعامية ، لأنني أشعر أن كتابة مثل هذه القصائد بالعامية دون الفصحى إهانة شخصية لي ، كأن سبة وقعت فوق رأسي ، المهم فكرت أن أكتب مقطعا بالعامية يصلح بداية لقصيدة ، ثم ندعو الأصدقاء و الأقرباء و الخلان و حتى عابري السبيل كل لإضافة بيت أو بيتين ، و ننتهزها فرصة لكل محبي الفصحى نسخر فيها من هؤلاء الذين يفسدون علينا حياتنا و ينغصون علينا معيشتنا بابتذالهم ، المطلع يقول : لإنك كتكوت براري - بحبك حب قراري
يا ترى من يتحمس لإكمال هذه القصيدة الكتكوتية ؟

Sunday, October 28, 2007

في حسن الخلق

من ترك الشهوات كان حرا
إمام علي

ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق
أبو داود 4799 ، الترمذي 2003

أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا
إمام أحمد 2/250 أبو داود 4682

إن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم خلقا
الترمذي 2018، أحمد 2/207

أكثر ما يدخل الناس الجنة : تقوى الله و حسن الخلق
ترمذي 2004 ، ابن ماجة 4246

جاء وفد إلى النبي "ص" فقالوا : يا رسول الله من أحب عباد الله إلى الله تعالى ؟ قال : أحسنهم خلقا
مسند أحمد 4/278 و ابن ماجة 3436

" إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، فسعوهم ببسط الوجه و حسن الخلق"
و يقول : ألا أخبركم بأحبكم إلي ، قالوا :بلى يا رسول الله ، قال ألا أخبركم بأحبكم إلي ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : أحسنكم خلقا

ويروى أن عتبة بن ربيعة جاء إلى النبي بمكة في فترة الإيذاء الشديد للمسلمين يقول كلاما سخيفا ... يعرض عليه مالا ليترك دعوته ، و يعرض عليه الرئاسة ، و يعرض عليه طبيبا إن كان قد أصابه الجنون ، و مع ذلك ترون كيف جادله النبي "ص" ؟
قال له : قل يا أبا الوليد أسمع . فلما انتهى قال له النبي : أفرغت يا أبا الوليد ؟

و يقول النبي : اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدثتم ، و أوفوا إذا عاهدتم ، و أدوا إذا ائتمنتم ، و احفظوا فروجكم ، و غضوا أبصاركم ، و كفوا أيديكم "

" كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت له به كاذب
أبو داود 4971 و أحمد 8384



إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون
النحل 90

و الكاظمين الغيظ ، و العافين عن الناس ، و الله يحب المحسنين
آل عمران 134

Saturday, October 27, 2007

جنيه إدريس


عندما صدر الجنيه المصري عام 1924 استقبل الجميع الصورة المطبوعة عليه بدهشة بالغة و لم يستطع أحد التعرف عليها .
لم تكن على الجنيه صورة للسلطان العثماني الذي كانت مصر ولاية تابعة له على مدى ما يقارب نصف قرن من الزمن ، فقد كانت الدولة السنية في ذلك الوقت تلفظ أنفاسها الأخيرة ، و كان سلطانها محمد السادس يبدو رجلا طاعنا في السن كدولته ، شاربه الأبيض الكثيف متراخ ، و في عينيه نظرة ساهمة و حزينة ، كان قد جاء إلى العرش بالمصادفة بعد أن انتحر و أصيب بالجنون كل الذين كانوا أقرب إلى العرش منه ، و كانت إمبراطوريته قد تلقت هزيمة مروعة في الحرب العالمية الأولى ، و بعد أن كانت تحتل رقعة هائلة من العالم أصبح قلبها محتلا ، تعبث فيه الجيوش الإنگليزية و الفرنسية و حتى اليونانية ، و كان احتلال هذه الأخيرة أقسى على قلب السلطان من أي شيء آخر ، فالأتباع السابقون تحولوا فوق أرضه إلى سادة آمرين ، و كان أمله معلقا بقائد وحيد كالذئب الأغبر ، هو مصطفى كمال حتى ينقذ مملكته و عرشه ، و لكنه كان يدرك أيضا بحكم خبرته الطويلة أنه ما إن يستأثر هذا القائد بالسلطة حتى يعزله من على عرشه ، كان مثل كل سلاطين نهايات الدول ، خانعا و طيبا ، مستسلما لقدر السقوط الذي يلاحقه ، لذلك لم يكن غريبا أن يركب السفينة ذاهبا إلى المنفى طائعا بعد سنوات قلائل من عهده لتنقضي من بعده دولة آل عثمان للأبد .
و لم يكن الجنيه أيضا يحمل صورة مصطفى كامل ، الرجل الذي بذل سنوات عمره القصير ليعلم المصريين أن يكونوا جديرين بمصريتهم ، أن يستيقظوا من سباتهم العميق ، و من رضوخهم لإهانات الاحتلال الإنگليزي و تقبلهم لصنوف الحكام الجائرين الذين يقهرونهم بدلا من الدفاع عنهم ، كان هو الوحيد الذي ناصب اللورد كرومر العداء وقت أن كان حاكما مطلقا يتذلل له الكبراء و الوزراء و السلاطين ، كان مصطفى كامل أفندي نحيل القامة ، أخذ شهادة القانون من باريس ، و رأى كيف تعيش الأمم الحرة ، فوقف يدافع عن أرواح الفلاحين في قرية دنشواي ، كان الزعيم الوحيد و ربما حتى الآن الذي أصر على ألا تذهب أرواح المصريين بلا ثمن و أنهم مثلهم مثل بقية الخلق نفوس فطرها الله لها حياتها الخاصة و تواريخها الخاصة يجب ألا تهدر ، بحجة أن أعدادها كثيرة و أنها كحبات الليمون ، تعصر دون أن تحصى ، و لكن عزيمته كانت أقوى من جسده ، و كانت روحه الوثابة أكبر من أن تسكن في هذا الهيكل النحيل ، لذا غادرته و هو في سن السادسة و الثلاثين ، و تركت في نفوس المصريين حزنا آسيا حتى الآن .
و لم يكن الجنيه أيضا يحمل صورة الملك الجديد فؤاد الأول بشاربه المبروم و صدره المنفوخ و تلك النياشين التي تغطيه و التي لا يعرف أحد من أين جاءت ، كان ملكا غريبا على الجميع ، واحدا من أمراء أسرة محمد علي التي كان يسري الدم المجنون في عروقها منذ الجد الأول ، و لكنه كان أقلهم ذكرا ، كان أبوه إسماعيل حاكما مليئا بالأحلام العظيمة ، و ساذجا و مسرفا من الناحية المالية ، وقع في فخ الديون الأوربية و مازال الفخ منصوبا حتى الآن ، و كان أخوه الخديو توفيق أشهر الخونة الذي قضى على ضباط جيشه الوطنيين و قدمهم لقمة سائغة للمحتل البريطاني ، فأي مجد أو أي جدوى أن تظهر صورته على جنيه الدولة المستقلة و لو كان هذا الاستقلال رسميا .
كانت على الجنيه صورة شخص غريب لا يعرفه أحد ، فلاح مصري ، لونه يحمل سمرة الجنوب ، و لحيته يخالطها الشيب ، و نظرته فيها نوع من القناعة و الرضا بالمقسوم ، على رأسه عمامة و فوق كتفه عباءة عباءة بسيطة ، دون أبهة أو نياشين ، و اعتقد الجميع أنها صورة للفلاح المصري الذي طالما وهب الحياة لهذا الوادي ، و أن هذا اعتراف متأخر بالجميل جاء من أرومة ألبانية تركية طالما امتصت دمه ، و لكن الأمر كان أبعد ما يكون عن ذلك .

الرافض للعرش

قال الأمير كمال الدين و هو ينتفض : لا أريد هذا العرش
نظر إليه السلطان حسين كامل مذهولا ، كان راقذا فوق فراش مرضه الأخير و قد جف ماء الحياة من بدنه و لم يعد في انتظاره سوى القبر ، و لكن كلمات ابنه ملأته بالغضب ، قال في مرارة : لقد فعلت كل شيء و قبلت كل شيء حتى تجلس حضرتكم على هذا العرش . كان قد قبل الإهانات و قام بالتنازلات و تحمل سخرية الصحف المعارضة و قصائد الزجل المسمومة و نظرات الاحتقار من زوجته و زوجة ابنه و التذلل أمام صغار الموظفين الإنگليز و مقاطعة طلبة المدارس له ، كل هذا قبله السلطان حسين كامل مقابل شيء واحد : أن ينتقل العرش من بعده إلى ولده الوحيد ، و لكنه يقف الآن عنيدا و رافضا ، كانت ملامح الشاب الصغير أقرب إلى شاعر حالم منها إلى أمير تركي عنيد ، كان يميل دوما إلى العزلة و الانطواء ، مع نوع من الرهافة الأنثوية طالما كرهها السلطان ، ولابد أن تربيته وسط خمس من الأخوات البنات قد تركت أثرها في شخصيته ، قال الأمير : لا يهمني ما فعلتم ، لن أجلس على هذا العرش الملعون مادمت حيا . صاح السلطان بكل مافيه من قوة الاحتضار : لن تبقى حيا بعد اليوم ، لأنني سأنهض و أخنق حضرتكم بيدي هاتين . و فوجيء السلطان بابنه يخرج من جيبه مسدسا و يوجهه إلى رأسه و يهتف في صوت صارم : لا تتعبوا فخامتكم أنفسكم ، سأقوم بذلك الآن ، أمامكم .
شهق السلطان ، أحس بقلبه على وشك التوقف ، صاح به : اخفضوا المسدس و اذهبوا إلى حيث تشاءون ، لعنة الله عليكم و على العرش . أغمض السلطان عينيه و تذكر لحظة عرض عليه هذا العرش الضائع ، كانت أتون الحرب العالمية الأولى مشتعلة ، و الإنگليز الذين سلخوا مصر عن الدولة العثمانية ، و فرضوا حمايتهم عليها يبحثون عن حاكم يطيع أوامرهم ، و كان الخديو عباس الحاكم السابق قد غادر مصر دون أن يستطيع العودة ، كان قد راهن على انتصار ألمانيا و حليفتها تركيا في الحرب ، و كانت النتيجة أنه ظل باقيا رغم أنفه بجانب السلطان العثماني و هو يتلقى الهزائم ، و انتهى أمره حين عزله الإنگليز نهائيا . في تلك اللحظة لم يكن الأمير حسين كامل يرفض العرش حقا ، و لو حاول الإيحاء بذلك ، كل ما في الأمر أن زوجته ملك هانم كانت تدين بالولاء لأم الخديو السابق عباس ، و لم تنس أنها كانت واحدة من جواريها ، و ظلت تذكره في الفراش كل ليلة أن قبوله بالعرش هو نوع من الخيانة ، يضاف إلى ذلك أن ابنه الوحيد كمال الدين حسين كان متزوجا بابنة الخديو السابق و كانت هي أيضا ترى أن حماها سيكون الخائن الأكبر إذا قبل هذا العرش ، و لم ينصفه الإنگليز أيضا ، لم يشاءوا أن يعطوه لقب الملك بدلا من لقب الخديو الذي ألغي مع انفصال مصر عن تركيا ، لم يكن الإنگليز يرون في الكون كله إلا ملكا واحدا هو الجالس على العرش البريطاني ، أعطوه لقب السطان ولا شيء غير ذلك ، لا حرية في اختياره لعلم سلطنته و لأعضاء وزارته ولا استقلاله الذاتي ، لم يكن من حقه أن يطلب كان واجبه فقط ان يطيع .
و ظل الأمير حسين كامل يتحجج ، و لكنه أصيب بالذعر عندما اكتشف أن أغاخان يزور القاهرة بدعوة من السلطات الإنگليزية ، لقد حسب أن زعيم الطائفة الإسماعيلية قادم لكي يجلس على العرش ، و ربما كان الأمر كذلك بالفعل ، فالإنگليز كانوا قد ضاقوا ذرعا بتردده ، لذا فقد تخلى فجأة عن تعنته الشكلي و وافق على القبول بشرط وحيد ، هو أن يرث ابنه العرش من بعده ، و حتى هذا الأمر لم يأخذ به إلا وعدا غامضا ، و لم يوافقوا عليه إلا بعد سنوات من التوسلات .
و لكن هاهو كل ما عمله يتردى ، و الأمير العاصي ينصرف من أمامه فرحا بحريته ، و لم يبق أمام السلطان إلا أن ينتظر الموت و هو يردد لنفسه : غدا سوف تتنازع كلاب أسرة محمد علي على هذا العرش الخالي

Thursday, October 18, 2007

و القابل بالعرش

كانت سفينة الركاب الإيطالية تستعد لدخول ميناء الإسكندرية ، عندما سمع الأمير فؤاد بهذا الحلم لأول مرة . كان ما يشغله وقتها و هو يراقب البيوت البيضاء و صفوف النخيل التي تقترب ، هو كيف يتسلل من السفينة إلى المدينة دون أن يعرف أحد أنه كان مسافرا في أدنى درجة بها ، دون قمرة أو جناح يليق به كأمير و كأخ لسلطان مصر ، كان قد أفلت من روما من ديون القمار و من الراقصات اللواتي كتب لهن شيكات بلا رصيد ، و من قروض محلات الرهونات ، كانت العشرون عاما التي قضاها متسكعا قد قادته إلى الإفلاس ، لم يبق أمامه إلا أن يعود إلى القاهرة ليختفي في صمت ، حتى لا يعلم أصحاب الديون فيها بوصوله و تبدأ المطاردة من جديد . في تلك اللحظة اقترب منه تابعه "إدريس الأقصري" الوحيد الذي بقي معه بعد أن هجره الجميع ، كانت ابتسامته تنير وجهه الأسمر و كان مازال محتفظا بجلبابه و عمامته الجنوبية ، لم يتخل عنهما بالرغم من الأيام الكثيرة التي قضاها في أوربا متسكعا في أثر سيده ، قال له : يا أفندينا ، لقد رأيت رؤيا أريد أن أقصها عليكم ، لم يلتفت فؤاد إليه ، كان ما في داخله من هموم أكبر من مجرد حلم تافه لفلاح ، و كانت صافرة السفينة تزعق طالبة الإذن بدخول الميناء ، و لكن إدريس العنيد أصر على مواصلة الكلام : لقد حلمت أنك أصبحت ملكا لمصر . و انتبه فؤاد فجأة إلى تلك الكلمات المستحيلة من فرط غرابتها ، كان يعرف أن السلطان مريض و لكن له وريثا ، و فوق ذلك فهناك في الأسرة من هم أكبر منه سنا و أكثر نفوذا ، كما أنه كان يشعر دائما بالغربة في ذلك البلد الذي لا يجيد لغة أهله ، و لو كان الأمر بيده لقضى كل حياته في الخارج ، و لولا هذه الديون الثقيلة التي تطارده ما فكر في العودة ، و لكن إدريس عاد يلح بالقول : رأيتكم يا أفندينا و أنتم تجلسون على عرش قصر عابدين ، و رأيت رشدي باشا الوزير الأكبر و هو يقبل أياديكم ، و رأيت كل الأمراء و على رأسهم الأمير عبد المنعم و هم ينحنون أمامكم . صاح في فؤاد أخيرا : اصمت . كانت السفينة قد دخلت الميناء بالفعل ، و فؤاد يرتجف خوفا من أن يتعرف عليه أحد ، و لكن كلمات الأقصري كانت تطن في أذنيه ، توقظ داخله أمنية مستحيلة ، على الرغم من أنها الإنقاذ الوحيد من ورطته و مهانته التي طالت أكثر مما ينبغي ، قال و هو يضحك في جفاف : لقد كبرت و خرفت يا إدريس
و بدآ يستعدان للنزول من السفينة ، و لكن ما إن خرجا من بوابة الميناء حتى كانت المفاجأة الأولى في انتظارهما ، كان هناك بائع صغير يحمل جريدة المقطم الداكنة الأوراق و هو يصيح بأعلى صوته : اقرأ آخر خبر ، الأمير كمال الدين حسين يتنازل عن العرش ، اقرأ المقطم .... و توقف الأمير فؤاد و تابعه ، نظر كل منهما إلى الآخر مذهولا ، اشترى واحدة من الغلام ، ولأن الأمير لم يكن يجيد العربية فقد أعطاها لتابعه الذي أخذ يقرأها بلهجته النوبية المتكسرة ، كان الخبر صحيحا ، و كان الامير كمال الدين حسين قد أرسل خطابا رسميا بذلك ، و لكن كان هناك خبر آخر في نفس الصحيفة ، الأمير عبد المنعم أكبر أفراد الأسرة و ابن الخديو عباس يستعد للذهاب إلى انگلترا ، و هتف فؤاد في خيبة أمل : لقد ذهب ليطالب بعرش أبيه و سوف يظفر به و بقي الأمر ، مجرد حلم لفلاح عجوز ، لم يأبه أحد بالأمير الغريب العائد ، حتى الدائنون كأنهم قد يئسوا من استرجاع ديونهم ، و حتى عندما طلب فؤاد الإذن لمقابلة أخيه السلطان المريض لم يأذن له ، لم يكن يريد أن يمنحه مالا ، و الأهم من ذلك أن يدخله إلى منطقة الضوء و يلفت أنظار الإنگليز إليه ، كان في داخله أمل واهن أن يتراجع ابنه الوحيد ، و كان بالفعل قد أرسل خلفه رئيس وزرائه رشدي باشا ليرجوه و يتوسل إليه حتى يعدل عن قراره و ظل فؤاد حبيس كآبته لا يقدر على التجول أو الذهاب إلى أي مكان ، و بدأ يرمق إدريس الأقصري في عداء ، و أحس إدريس بالذنب فأخذ يخفض رأسه خجلا ، و لكن فؤاد لم يكن يعلم ما يدور في الخفاء ، لم يعلم أن طلب الأمير عبد المنعم قد رفض ، و أن الإنگليز قالوا له بوضوح أن حقه في العرش قد سقط مع خلع أبيه ، و لم يعلم أن كمال الدين حسينغادر مصر بصحبة زوجته الثانية ، الفرنسية الأصل ، بعد أن صرح بأنه مسلم حقا و لكن لا وطن له ، لذا كان غريبا أن يستيقظ في الصباح على دعوة لمقابلة المستر وينگت ، كان طلبا غريبا و مفاجئا من المندوب السامي الذي يأتمر بأمره الجميع ، حضرة جناب اللورد الحاكم الحقيقي لمصر توقف فؤاد أمامه مذهولا ، كان قد ارتدى أفضل ما لديه من ملابس ، و حاول أن يبدو معتدا بنفسه دون أن يكون مفرطا في الغرور ، و لكن وينگت نظر إليه من أخمص قدميه إلى قمة رأسه ، كأنه يريد أن يقدر حجمه قبل أن يقدم له أي عرض ، لم يطلب منه الجلوس ، و لكنه قال في لهجة عسكرية صارمة : سنقوم بدفع كل ديونك
و لهج الامير بالشكر بالتركية و الإيطالية ، و لكنه كان يحس في داخله بالإهانة ، فقد بدا في سلوك الحاكم ، و الذي كان عسكريا سابقا أنه الذي يكره هذا النوع من المقامرين من أمثاله ، ثم قال له أخيرا : لقد اختارتك حكومة صاحب الجلالة لتكون ملكا على مصر أعتقد أن هذا مناسب لك ، لا تعلن هذا الأمر حتى يموت السلطان ، و عليك ان تلتزم بالأوامر التي سوف نوجهها إليك انصرف الأمير الذي أصبح ملكا و هو مذهول ، مصفر الوجه ، لدرجة أن المنتظرين في قاعة المندوب السامي حسبوا أنه تلقى توبيخا مميتا ، كما هي عادة وينگت مع الأمراء المفلسين ، لم يتفوه فؤاد بكلمة واحدة إلا بعد أن عاد إلى بيته ، وجد إدريس يصلي صلاة الظهر ، ظل واقفا حتى فرغ من الصلاة ، تطلع كل منهما إلى الآخر ، و ابتسم فؤاد أخيرا بعد سنوات من العبوس ، و هتف به : انهض يا إدريس بك و لم يستطع إدريس بك النهوض ، ظل جالسا مذهولا على سجادة الصلاة ، و عاد فؤاد يقول : لقد تحقق حلمك الغريب ، و سوف تكون صورتك على أول جنيه تصدره حكومتي و في يوم 4 يوليو 1924 صدر أول جنيه مصري عن الدولة المصرية التي ظفرت باستقلالها الشكلي و هو يحمل صورة إدريس بك الأقصري ، الذي عاش طويلا حتى شهد سقوط الجنيه الذي يحمل صورته و سقوط الملكية في مصر نفسها

Monday, October 15, 2007

في التواضع 2

و علي جمع الحطب
كان النبي في بعض أسفاره ... فأمر بإصلاح شاة ، فقال رجل : علي ذبحها ، و قال آخر : علي سلخها ، و قال آخر : علي طبخها ، فقال "ص" : و علي جمع الحطب ، فقالوا : نحن نكفيك يا رسول الله ، فقال : أعلم أنكم تكفوني ، و لكني أكره أن أتميز عليكم ، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه


إنما أنا رجل من المسلمين !

كانت لسيدنا علي زوجة بعد وفاة السيدة فاطمة ، فكان يجلس مع ابنه من هذه الزوجة و هو محمد بن الحنفية ، فقال محمد لأبيه : يا أبت من خير المسلمين بعد رسول الله ؟ فقال علي : أبو بكر الصديق ، قال ثم من ؟ قال : عمر بن الخطاب ، يقول محمد : فخشيت أن أقول له ثم من ؟ فيقول لي : عثمان ، فقلت له : ثم أنت
فقال : يا بني إنما أنا رجل من المسلمين



جاء وفد من العراق لمقابلة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقودهم الأحنف بن قيس و هو سيد من سادات العراق ، فحينما وصلوا وجدوا سيدنا عمر يغسل الإبل بنفسه ، و يقول : يا أحنف تعال أعن أمير المؤمنين على إبل الصدقة ، فقال رجل من الوفد : رحمك الله يا أمير المؤمنين ، هلا أمرت عبدا من عبيدك ينظف هذه الإبل ، فقال عمر : و أي عبد هو أعبد مني و من الأحنف بن قيس ، ألم تعلم أنه من ولي أمرا من أمور المسلمين كان لهم بمنزلة العبد من السيد ؟

في التواضع

"ماتواضع أحد لله إلا رفعه "
رواه مسلم 6535 و الترمذي 2029 و أحمد 2/386

" إن الله أوحى إلي أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد "
رواه أبو داود 4895 و ابن ماجة 4179

" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر "
رواه مسلم 263 و أبو داود 4091

و يقول الله تعالى " ولا تصعر خدك للناس و لا تمشي في الأرض مرحا " لقمان 18

و الصعر مرض يصيب الإبل في رقبتها ، فلا تستطيع أن تعيد رقبتها مرة أخرى فتمشي تلوي رقبتها لأعلى

" إن الله خيرني أن أكون ملكا نبيا أو عبدا نبيا ، فاخترت أن أكون عبدا نبيا "
رواه الطبراني في المعجم الكبير حديث 12061

و يقول الصحابة رضوان الله عليهم : كان رسول الله إذا سلم لا ينزع يده حتى ينزعها الذي يسلم عليه ، و إذا سلم سلم بكلّيته ، ولا يصرف وجهه عنك حتى تصرف أنت وجهك ، و كان يجلس حيث انتهى به المجلس ، و كان هاشا باشا لا تلقاه إلا مبتسما ...

و من تواضع النبي أن جاءه رجل يرتعد - يحسب أنه سيدخل على ملك من الملوك - فقال له النبي : هون عليك فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة !

و في يوم فتح خيبر عاد النبي منتصرا على فرسه و الكل في انتظاره ، فلما وصل قال " أين البغلة ؟" فنزل عن فرسه و ركب البغلة تواضعا لله

و كانت الجارية - الأمة أو البنت الصغيرة - تأخذ بيد النبي ، فلا ينزع يبده منها فتخرج إلى المدينة تشتري حاجتها فيكون معها حتى تعود .

كان النبي في خدمة أهله يرقع ثوبه و يخصف نعله و يحلب شاته و يخدم نفسه
رواه الإمام أحمد في الحديث 6 / 167

Wednesday, September 19, 2007

استشهاد الإمام

هذه اللحظات المؤثرة التي تلت طعن عبد الرحمن بن ملجم لأمير المؤمنين علي ، تذكرتها و أنا أحكي قصة فتنة مقتل عثمان و كربلاء لصديق ، و أحببت أن أنقلها هنا عسى أن تنفع المؤمنين
علي: {للحسن}النفس بالنفس يا حسن ، فإياك و المثلة ولا ألفينكم تسفكون دماء المسلمين و تقولون: قتل أمير المؤمنين! ..لا يقتلن إلا قاتلي
الحسن: نعم يا أبت
علي: مالك تبكي؟ و الله لقد أرحت و استرحت
الحسن: و حقك لا يريح موتك أحدا، و إنما تورث المسلمين عناء و خلافا ما أرى أنهما سينقضيان
الأشتر: يا أمير المؤمنين، إن مت نبايع الحسن ؟
علي: كف عني يا أشتر! فقد سئمت هذا الأمر كله
الأشتر: ألا تستخلف؟
علي: لا وربك لا أستخلف، و لكن أترككم كما ترككم رسول الله
الأشتر: فما تقول لربك و قد تركتنا هملا؟
علي: أقول اللهم استخلفتني فيهم ما بدا لك ، و فعلت بي ما بدا لك ، ثم قبضتني و تركتك فيهم تفعل ما بدا لك {يشتد به الوجع} ضعفت عن أمركم فاختاروا من شئتم
الحسن: واكرب أبي !
علي: ليس على أبيك كرب بعد اليوم يا حسن ...ألا و الله لو قد أعفيت من هذه الفتنة لغيرت أشياء ، و لتركت الدنيا أفضل مما وجدتها ... و لكن الله قضى بغير ذلك ...و الحمد لله على ما قضى ... قد ابتلاني بمن لا يطيع ولا يجيب ... و إنه لعهد النبي إلي أن الأمة ستغدر بي بعده
الأشتر: ثواب الله خير من الدنيا يا أبا الحسن
علي : نعم هو ذاك ... هو ذاك {يتوجع} اللهم أعني على سكرات الموت ..لا إله إلا أنت ..لا إله إلا أنت ...لا إله إلا أنت
الحسن : أبت !
علي : و الله ما رضيت بقتل عثمان ، ما رضيت بقتله ولا مالأت ، و أنت على ما في قلبي شهيد
الأشتر : هون عليك
علي : إن كانت الرعايا قبلي لتشكو ظلم رعاتها ، و إني لأشكو إلى الله ظلم رعيتي ...و لكن المتاع بهذه الدنيا قليل {يموت}
الحسين : أبتاه ! أبتاه !
الأشتر : مات أمير المؤمنين يا حسن
الحسن : في جنة الخلد يا أبت ! ألا لقد كنت أمس أنطق منك اليوم ، و أنت اليوم أوعظ منك أمس ، فوربي لا أطلب رزق الدنيا بعدك
{يدخل معاوية}
معاوية : أحقا ما سمعت ؟{يوميء له الحسن بالإيجاب}
معاوية : {يجلس إلى جثة علي} عز و الله علي مصرعك يا علي .. أما و الله لو شهدتك لآسيتك و لدافعت عنك ، و لو ظفرت بالذي قتلك لأحببت ألا يزايلني حتى أقتله أو ألحق بك ، ألا إن كان عدوك و جارك ليأمنان بوائقك ، و إن كنت لمن الذاكرين لله كثيرا {يبكي}
الأشتر : بالأمس تطعن عليه ، و اليوم تبكيه ؟
معاوية : إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه و فضله و خيره .. ويحكم ! إنكم لا تدرون ما فقد الناس من العلم و الفضلالحسن : رجل ما سبقه أحد كان قبله ، ولا يدركه أحد يكون بعده ، كان أعبد أهل الأرض و أزهدهم و أعلمهم و أخشاهم لله ، الدنيا أهون عليه من الرمال في يوم عاصف ، و الموت أهون عليه من شرب الماء ، كان نعم الخليفة لو أعفي من المساومة و الإسفاف ، و لكن الله لم يعفه منهما ، فأخفق حيث يشرفه أن يخفق و حيث يعيبه أن ينجح
معاوية : و تلك آية الشهيد
الحسن : يا معاوية ، و الله لأن نحقن دماء المسلمين خير من إراقتها ، و إني لمبايعك و غير منازعك في الإمرة ، و انا بذاك راض مستبشر
الأشتر : و يلك ! أجننت ؟
الحسن : لا تؤنبني رحمك الله . و الله لا أجد في صدري حرجا ولا تلوما ، و قد سمعت رسول الله يقول "لا تذهب الأيام و الليالي حتى يملك معاوية" و ليس في نيتي أن أقاتل أحدا
الأشتر : و تكون حياة أبيك قد ضاعت هباء ؟
معاوية : لا و الله يا أشتر . ما ضاعت حياته هباء . فدعونا حتى ألتقي أنا و هو عند الله يحكم بيننا . فوالله ما فعلت ولا فعل غير أن أطاع كل منا ضميره ... لعمري إني أعلم أنني لست خير الناس ، و إن فيكم لمن هو خير مني ، و لكني خير الناس للناس ، فعسى أن أكون أنفعكم ولاية ، و أدركم حلبا ، و أنكاكم في عدوكم ، و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم .. و قد كانت بيني و بينكم ضغائن ، فجعلت ذلك دبر أذني و تحت قدمي ، لا أحمل السيف على من لا سيف له ، ولا أحول بين الناس و ألسنتهم ما لم يحولوا بيننا و بين ملكنا .. قولوا لأهل العراق إني قد عفوت عن قتلة عثمان . قولا لهم إني أعلم أنهم لا يسرون بولايتي .. و لكننا سنظهر لهم حلما تحته غضب ، فإن أظهروا لنا طاعة تحتها حقد ، فقد رضينا بذلك ، و بعناهم هذا بهذا ، فإن نكثوا نكثنا ، ثم لا ندري أتكون الدائرة لنا أم علينا ، أستغفر الله لي و لكم . أستغفر الله

Tuesday, September 11, 2007

الغواية الثالثة

كان الخليفة جالسا مع زوجته سعدة الأثيرة إلى نفسه ، كانت هي خائفة من تزمته ، تحمل في داخلها كل مخاوف أهلها من بني أمية ، قالت له : يا أمير المؤمنين ، يا زوجي و ابن عمي ، هل بقى لك شيء من الدنيا تتمناه ؟ تأملها في شرود ، في تلك اللحظة لم يكن يريد شيءا ، و لكنه قبل أن يجلس على هذا العرش الصعب ، كانت له أمنيات و رغبات ، أراد ذات مرة أن يمتلك ذلك الصدى الهائم في الصحراء ، "حبَابة" ، كان ذاهبا إلى الحج و استضافه أحد تجار مكة الموسرين ، و في بيته سمع صوتها الذي ما زال يرن في أذنه حتى هذه اللحظة ، قويا و رائقا و رنانا لا يصاحبه إلا إيقاعات من وتر شاحب ، و عندما رآها اكتشف أنها لا تقل جمالا عن صوتها ، كأنها ريح الصحراء قد شظفتها من كل وجه فتحولت إلى كائن رهيف ، عيون واسعة مليئة متألقة و حزينة و شعر أسود منسدل و رقبة رفيعة ، حين تشدو تبدو العروق الزرقاء الشاحبة خلف جلدها الرقيق أوتار من السماء ، كان اسمها "حبَابة" و لكن الجميع كانوا يطلقون عليها لقب العالية ، لأنها كانت الأعلى قيمة بين كل المغنيات و المحظيات ، و أصر مالكها على ألا يبيعها إلا ب4 آلاف دينار كاملة ، و لم يشفع له أن الشاري هو شقيق الخليفة و من فرط الشغف دفع يزيد كل ما معه من مال ، و استدان من بعض أصدقائه ، و أرسل مكتوبا عاجلا إلى أخيه سليمان بن عبد الملك يطلب منه مددا من المال ، و لكن الخليفة فزع عندما عرف المبلغ المهول الذي دفع في جارية واحدة ، فأرسل إليه مهددا : أيها الأرعن ، تخلص منها فورا و إلا قمت بالحجر عليك و نحيتك عن ولاية العهد
لم تكن للخليفة العين التي يرى بها حبَابة ، ولا الأذن التي يستمع بها إلى شدوها، كان فقط يملك قوة الأمر و الحسم ، و هكذا بروح منكسرة طرح يزيد حبابة للبيع مرة أخرى ، و عرف الجميع ذلك فساوموه عليها و بخسوا سعرها
لم ينس نظرة اللوم و العتاب التي ألقتها عليه حبابة و هي تمضي إلى مصر مع مالكها الجديد ، كانت حلما جميلا لم يستطع الحفاظ عليه و بيع بنصف ثمنه ، تركت حياته خالية بلا شدو ولا جمال ، و ظل هذا الأمر يحز في نفس يزيد حتى بعد أن امتلك ذلك العالم الواسع ، ظلت حبابة هي الأمنية التي عجز عن تحقيقها ، لذا رفع رأسه و تأمل زوجته بنظرة شاردة ، و قال بصوت حالم : حبابة
كان الأمر أكثر من مجرد غيرة زوجة تريد أن تستأثر بزوجها ، كان يخص كل بني أمية و مصالحهم المهددة ، و كانت حبابة هي مفتاح اللغو الذي يبحث الجميع له عن حل
انطلقت الرسل بسرعة إلى كل مكان في مصر تبحث عن التاجر الذي اشتراها ، خصصت سيدة الخلافة المال اللازم لشرائها و تفرغ الوالي الأموي في مصر للبحث عن حبابة و استخلاصها ، و تمت الصفقة في أسرع وقت ، و حملت الفتاة على الخيل السريعة إلى الشام ، لم يكن هناك وقت لأن تحمل داخل هودج مريح فوق ظهر جمل ، كان يجب أن تصل إلى دمشق قبل أن يندم الخليفة على نقطة ضعفه التي كشفها
وقفت حبابة مجهدة و مرعوبة و مغطاة بالرمل أمام زوجة الخليفة ، تأملتها سعدة ، كانت أصغر و أجمل و لكنها كانت رهيفة بحيث لا تثير العداء ، أمرت جواريها بأن يحمموها و يعطروها و أن يلبسوها أفخر الثياب ، و انتظر الجميع
في المساء عندما جلست سعدة إلى الخليفة الذي كان يبدو حزينا و شاردا أعادت عليه السؤال نفسه مرة أخرى: يا أمير المؤمنين ، يا زوجي و ابن عمي ، هل بقى لك شيء من الدنيا تتمناه ؟ قال لقد أخبرتك من قبل ، و صفقت سعدة بيديها ، فانزاح الستر و بدت حبابة من خلفه ، منهكة و بهية و مندهشة ، لؤلؤة أخرجت لتوها من البحر و تأملها يزيد و هو غير قادر على الكلام ، و تركتهما سعدة و لكنها لم تبتعد كثيرا ، وقفت تتنصت خارج الباب ، و قد بدأت الغيرة تدب في قلبها ، لم تكن قد رأت في وجه زوجها مثل هذه العلامات من اللهفة و الفرح من قبل ، لا لها ولا لغيرها
لم تسمع شيئا ، لا أصوات حديث ولا أنغام غناء ولا تأوهات الحب ، ماذا يحدث بالضبط ؟ لم تطق سعدة صبرا ، دفعها فضولها للدخول مرة أخرى ، بالرغم من أنها كانت تجازف بإغضاب الخليفة ، كان لا يزال جالسا في مكانه و حبابة في مكانها ، و لكن هناك سترا منسدلا بينهم كل منهما يشعر بوجود الآخر ، و لكنهما منفصلان
وقفت سعدة مذهولة و هي تقول : ما بالك يا مولاي ؟ هذه حبابة التي ابتغيتها طويلا ، نظر إليها يزيد بعيون غائبة و هو يقول : بلى ، و لكني أخاف الله.

الغواية الثانية

جاء والي المدينة عبد الرحمن بن الضاحك يجر خلفه جمعا من العصاة و الخاريجين عن السلطان ، كان قد سجنهم و عذبهم و جعلهم يقرون بكل ما فعلوه و ما لم يفعلوه ، و هاهو يسوقهم هدية للخليفة بمناسبة عهده الجديدو لكن يزيد تأمل وجوههم و استطاع أن يتعرف على عدد منهم رغم التعذيب و الإنهاك و التشويه ، كانوا من أشراف مكة و المدينة ، قال : من هؤلاء ؟ قال ابن الضاحك متفاخرا : إنهم أعداؤك العلويون و المتمردون و المطالبون بالخلافة ، و قد نصرنا الله عليهم ، كان بنو أمية قد قتلوا الكثيرون منهم و لكن كلما قتل إمام ولد من بطن الغيب إمام خفي و كلما قمعوا فتنة اشتعلت أخرى ، و حتى عندما حاصرهم الحجاج بن يوسف داخل الكعبة و رماها بالمنجنيق لم تنه هذه الفعلة البشعة الصراع
قال الخليفة : فكوا قيدهم و أجلسوهم أمامنا لنراهم و يرونا ، و نكلمهم و يكلموننا

قال ابن الضاحك مدهوشا و مستنكرا : و لكن هذا سيجريء أعداءنا علينا ، و أشار له الخليفة أن ينصرف من مجلسه على الفور ، و سرعان ما عزله
كان حلم يزيد أن يعم السلام هذه البقعة من الأرض التي لم تهدأ منذ أن اغتيل الخليفة الثالث عثمان بن عفان ، كان يريد ولاته أن يكفوا عن مطاردة العلويين و تعذيب الأحياء و نبش قبور الموتى ، و أدرك الجميع لحظتها أن هذا الخليفة لن يتغير ، سيظل ذلك الرمح الصلب الذي لا ينحني ، يصحو مع الفجر يصلي بالناس ثم يغشى الأسواق و يتفقد السجون و يرسل الرسائل لولاة الامصار ، ثم يفتح بابه للمظاليم و طلاب الحوائج ، كان لابد من البحث عن نقطة ضعف له تنفذ منها كل الأهواء و الرغبات لعله يلين

غواية السلطان 1

عندما تولى يزيد بن عبد الملك الخلافة كان شابا متقشفا خجولا و على وجهه مسحة من الحزن ، و تساءل المحيطين به من بني أمية : هل هذا الشاب النحيل قادر على مواجهة غوايات الحكم ؟

الغواية الأولى
في اليوم الأول دخل إلى قاعة الحكم و توقف مدهوشا ، تأمل العرش الذهبي اللون الذي يتصدر القاعة ، كان براقا و مغريا كأنه امرأة مستكينة تنظر إليه في صمت قال : أنا لست كسرى ولا قيصر ، احضروا لي مقعد ابن عمي عمر بن عبد العزيزقال أخوه هشام بن عبد الملك : و لكنك لن تؤثر في قلوب العامة و الأعراب إلا بهذا العرش ، و لكن الخليفة هز رأسه نافيا و مصرا على رفضه تبادل رجال الحكم من بني أمية نظرات قلقة ، هاهو خليفة متقشف آخر يقبض على زمام الحكم و يوشك أن يقبض على رقابهم كأن لم يكن كافيا ما فعل الخليفة الأسبق حين حاسبهم حسابا عسيرا و جرأ العامة عليهم و صادر أموالهم بحجة أنه مال المسلمين و جعلهم يسيرون على الحق كأنه سيف جارح ، كانوا يحسبون أن هذا الخليفة الجديد سيتيح لأهله من بني أمية على الأقل أن ينعموا بالغنائم التي تنهال عليهم من فتوحات البلاد التي لا تتوقف
لم تكن بداية مشجعة ، خاصة بعد ما حدث في المسجد الكبير ، حيث كان الشيخ ابن مكحول يلقي أحد دروس العلم ، و فوجيء الجميع بيزيد و هو يقبل عليهم فردا وحيدا في ملابسه العادية دون شيء من أبهة الإمارة و لكن الجميع كانوا يعرفون أنه أخو الخليفة الحالي سليمان بن عبد الملك و أنه الخليفة القادم
أسرعوا يوسعون له مكانا في صدر المجلس ، و لكن ابن مكحول أشار للجميع أن يبقى كل في مكانه ، و أشار للأمير أن يجلس حيث هو في نهاية الصف ، و ربع يزيد ساقيه و جلس دون أن ينطق بكلمة ، و استمع للدرس حتى نهايته ، ثم تناول نعليه و انصرف
كانوا يعرفون ذلك لكنهم كانوا موقنين أنه سوف يتغير ، فللحكم طبائع اخرى ، و كان لابد من توالي الغوايات

Sunday, September 9, 2007

على من يعرف الحق أن يعلنه

نقفز في صفحات الكتاب لنصل إلى الرسائل المبعوثة من القاهرة و أهم ما ورد في الرسالة الأولى (تاريخها 14 من أبريل 1955) لقاء بين الكاتب و حاخام اليهود بالقاهرة حايم ناحوم "و هو شيخ جليل في ال83 من عمره ، و كان قبل هذا حاخام اليهود ففي الإمبراطورية التركية ، و قد لبث في مصر 30 عاما و هو اليوم كفيف البصر ، لكنه من نفاذ الرأي و يقظة الوعي في درجة لا تستطيع أن تتخيل درجة أبعد منها ، و لأنني أعلم التضليل الذي يذاع في أمريكا عن اليهود في البلاد العربية فإنني أؤكد هنا أن الاجتماع بالحاخام كان في منزله،و لم يحضره أحد من رجال الحكومة ... و إنه لمن باب التفكهة أن أذكر ( في مواجهة التفرقة الباطلة التي تذيعها الدعاية الصهيونية للتمييز بين العربي و اليهودي ) أن الحاخام يلقب بـ"الأفندي" عند المصريين لولا أن هذا اللقب لم يعد ييستعمل بصفة عامة في كل أنحاء البلاد بعد الثورة ، على أني أريدكما أن تعلما أن اللقب كان يراد به الاحترام ، و لذلك لم تكن دهشتي عظيمة حين ذهبنا إلى شقة الحاخام ناحوم ، لأراه هناك جالسا و على رأسه الطربوش العربي ، و تساءلت ماذا يا ترى يكون الرجع إذا ما ظهر الرجل في حفلة يقيمها الصهاينة في نيويورك؟
"تحدثت مع الرجل ساعتين و طرقنا بالحديث موضوعات كثيرة،فوجدته عدوا للصهيونية لا يرغب في شيء رغبته في التنصل منها و قد قص علي قصة منذ كان في الماضي مقيما في تركيا كيف جاء عندئذ وفد صهيوني يطلب منه التوسط لدى السلطان ليسمح للصهيونيين بشراء الاراضي في فلسطين،فأفهمهم أن مثل هذه الوساطة تسره لو كان يعلم أن الأراضي تباع لليهود من حيث هم "أفراد" يعتزمون أن يكونوا مواطنين في فلسطين،لكنه ليتوسط في ذلك مادام يعلم أن الأراضي إنما تشترى تحقيقا لخطة "جماعية" يراد بها خدمة الحركة الصهيونية
و مضى الكاتب في رسالته ليقول أنه لابد لمن يريد أن يرى الحقيقة بعينيه أن يحضر إلى هنا ليرى كيف تمارس العقيدة اليهودية بكل شعائرها في حرية تامة ، و كيف يشارك المواطنون اليهود سائر أبناء وطنهم ، ثم يؤكد الكاتب - و كأنما هو في عجب مما يرى - أن ليس في مصر علامة واحدة تدل على اضطهاد السامية (و فاته أن يعلم أن العرب هم أنفسهم ساميون ) و قد أثبت الكاتب في رسالته هذه ما أنبأه به الحاخام ناحوم ، من أنه في الأسبوع الماضي دعي مع قادة المسلمين و المسيحيين للمشاركة في الاحتفال برفع العلم المصري لأول مرة على مدينة السويس، فأين هذه المساواة في المواطنة برغم اختلاف الديانات ، أين هي مما يذيعه دعاة الصهيوينة في أمريكا ؟
و في رسالة تالية أرسلها من القاهرة بتاريخ 22 أبريل 1955 يؤكد الكاتب ما ذكره في رسالته السابقة و ما يغيب عن أذهان الأمريكيين بفعل دولارات الدعاة من أن اليهود هنا هم عرب من العرب يتكلمون العربية و يرتدون ما يرتديه العرب و يبيعون للعرب و يشترون منهم و يقول أنه لتأخذه الدهشة الممزوجة بالعار حين يتذكر كيف يجلس الأمريكيون في جهلهم ، بل كيف يبدون استحسانهم أحيانا كلما وقف بينهم سفراء إسرائيل و وزراؤها يخطبون فيهم لجمع التبرعات مصورين البلاد العربية في حديثهم في صورة بشعة ما أبعدها عن الحقيقة ، أفلا يجدر بهؤلاء المنصتين هناك في إعجاب أن يجيئوا إلى هنا ليروا كيف يعيش 50 ألفا من اليهود مواطنين عاملين أحرار شاركوا حياة بلادهم في ماضيها و حاضرها و في رسم مصيرها ؟
و اتصل الكاتب بصحفي يهودي في مصر ، و طلب منه أن يكتب له تقريرا عن حالة اليهود في هذه البلاد ، فكتب الصحفي يقول : يتمتع اليهود المصريون و الأجانب في مصر بحرية كاملة في عقيدتهم و في التعبير عن أنفسهم و في مزاولة أعمالهم ، و قد شارك اليهود في مصر - قبل حملة فلسطين و بعدها - في اقتصاد مصر و تجارتها إلى حد بعيد ، و حتى حين نشبت الحرب في فلسطين لبث اليهود المصريون يتمتعون بحقوقهم كاملة و يؤدون واجباتهم كاملة ، من حيث كونهم مواطنين مصريين ، و لم يشعر اليهود المصريون قط بأي اضطهاد أو تمييز عنصري ، فقد كان يمثلهم نواب في البرلمان المصري و حدث في أيام حرب فلسطين أن كان عنهم نائبان في البرلمان هما أصلان قطاوي في مجلس الشيوخ و رينيه قطاوي في مجلس النواب
و بعد ثورة يوليو 1952 ازداد شعور اليهود باحترام حكومة الثورة لهم ، إذ أن هذه الحكومة لم تدع فرصة واحدة تمر دينية كانت أو اجتماعية دون ان تنتهزها لتبين لليهود المصريين أن ليس عندها قط ما تميز به مواطنيها من المسلمين و المسيحيين عن مواطنيها من اليهود ، فرئيس الوزراء يشارك بنفسه في أعياد اليهود و يزور معابدهم ، و لما شكلت وزارة الثورة في مصر لجنة خاصة لوضع دستور جديد للبلاد عينت فيها عضوا يمثل اليهود هو الأستاذ زكي العريبي المحامي المصري المعروف ، و إنك لتجد في القاهرة و الإسكندرية و غيرهما من البلاد الهامة في مصر مدارس يهودية يديرها يهود ، حيث يستطيع التلاميذ اليهود أن يتعلموا العبرية دون تدخل من أي موظف حكومي بأية صورة من الصور
و برغم حالة التوتر القائمة بين الدول العربية عامة و مصر خاصة و بين إسرائيل ، فإن اليهود المصريون يقومون بدورهم في حياة مصر الاقتصادية و التجارية و لهم رؤس أموال ضخمة مستثمرة في المصانع و الشركات و في مؤسسات الاستيراد و التصدير و في البنوك
صحيح أن عددا من اليهود تحت تأثير الدعاية الصهيونية قد هاجروا من مصر إلى إسرائيل لكن هذا العدد أخذ يتناقص بشكل ملحوظ منذ قامت الثورة ، و يرجع التناقص أساسا إلى عاملين أولهما التمييز في إسرائيل بين العرب و اليهود الوافدين من أوربا ، فقد جاءت الأنباء ممن هاجروا بأن اليهود العرب هناك يكلفون بأداء أحط الأعمال شأنا كالعمل في المجاري برغم أنهم قد يكونون ممن ظفروا بقسط عال من التعليم على حين أن اليهود الوافدين من أوربا يعاملون كالسادة أما العامل الثاني فهو ما يشعر به اليهود المصريون من مساواة تامة بينهم و بين سائر المسلمين و المسيحيين في الوطن فهم يختارون لانفسهم من ضروب الأعمال ما يشاؤن
على أن الدعاية الصهيونية - برغم هذه الحقائق - ماتزال تجد سبيلها إلى نفوس عدد من اليهود خاصة الفقراء منهم و الذين قد يتوهمون أنهم مصادفون الثراء في إسرائيل فيهاجرون بمعونة تأتيهم من عملاء الصهيونية فترسل لهم تذاكر السفر مجانا إلى مرسيليا كما ترسل لهم إعانات مالية لإعداد أنفسهم
و يقول هذا الصحفي اليهودي المصري في تقريره : إنني لأرى -باعتباري مواطنا مصريا يعتنق اليهودية دينا - أن الدول العظمى قد اقترفت أفحش خطيئة ضد يهود العالم بأن أقامت دولة إسرائيل لأنها بذلك قد عزلت اليهود في أرجاء الدنيا بالنظر إليهم على أنهم موالون لهذه الدولة الوليدة و حسبوا كما لو أنهم مواطنين إسرائيليين يقيمون خارج بلادهم و في الوقت الذي لم تدخر دول أوربا جهدا في إيواء المهاجرين اليهود الذين طردوا من ألمانيا فهي لم تصنع حتى الآن شيئا قط لإعادة اللاجئين العرب إلى ديارهم أو تعويضهم و تركتهم خلال السنوات السبع الماضية - تاريخ كتابة التقرير 1955 - مشردين في الصحراء بلا مأوى و إننا نحن المصريين لنشعر بالمفارقة حين نرى أنفسنا في مأمن في وطننا ثم نرى هؤلاء اللاجئين يتشردون و يتجرعون العيش المر في حياة متوترة قلقة
و في رسالة أخرى من القاهرة وصف الكاتب مقابلة له مع شيكوريل يقول فيها : قابلنا السيد شيكوريل في مكتبه الكائن في متجره - و هو أكبر متجر في مصر - مليء بصنوف السلع ، جميل البناء حديثه ، و كان معه في مكتبه الحاخام ناحوم و نائب مدير المتجر الذي هو عضو بارز في الجالية اليهودية ، إنك حيثما توجهت هنا في لقاء على ميعاد كانت أول خضوة في مراحل العمل هي أن تشرب فنجانا من القهوة التركية ، و بهذه البداية بدأت زيارتنا للسيد شيكوريل ، فقلما يبدأ حديث جاد إلا بعد أن تكون هذه الشعيرة قد تمت ، و بدأت أنا الحديث - كما رجاني السيد شيكوريل أن أفعل - بأن أخبرتهم عن المجلس اليهودي الامريكي و عن دهشتي السارة التي دهشتها حين سمعت الحاخام ناحوم و هو يحدثني عن اليهود في مصر و الطمأنينة التي يتمتعون بها في حياتهم و شرحت لهم كيف أن ضجة الدعاية الصهيونية في أمريكا و الدعوة لجمع المعونات لإسرائيل قد ضللت حتى أولئك الذين أرادوا أن يحصلوا على معلومات صحيحة عن حالة اليهود في البلاد العربية فكان كل ما سمعناه تقريبا هو التهم التي وجهتها الصهيونية إلى العرب بأنهم يريدون إبادتهم و بأنهم يضطهدون الساميين ، فأكد لي السيد شيكوريل صحة ما سمعته قبل ذاك من الحاخام ناحوم و أن هذه التهم كلها باطلة بطلانا تاما ، نعم هناك شعور بالقلق لكنه شعور ناجم من التحول العميق الذي تتحول به البلاد من حياة إلى حياة لا من اضطهادات موجهة إلى اليهود بأية صورة من الصور ، و قد اتهم السيد شيكوريل وكلاء الصهيونية باستغلالهم للظروف القائمة مع علمهم بأنها لا تمت بصلة بعلاقة اليهود بغيرهم
و لعل أقوى حجة قدمها السيد شيكوريل في حديثه هي خبرته الشخصية التي صادفها في عمله ، فقد أحرق متجره في حريق القاهرة يناير 52 و كان ذلك قبل الثورة فواجه هو و شركاؤه هذا السؤال هل يعيدون بناء المتجر في القاهرة أو يقررون بأن الامل في المستقبل مسدود أمام اليهود المصريين ؟ و إن جوابنا على هذا السؤال - هكذا استطرد شيكوريل - لتراه قائما في هذا المبنى الجديد الذي يعد من أجمل المباني في مصر فهو كاف وحده للدلالة على ما نظنه بالنسبة لمستقبل اليهود في مصر
الكاتب يمضي بعد ذلك ليصف رحلته إلى إسرائيل و ما رآه هناك من تمييز و عزل لليهود سود البشرة و يهود العراق و اليمن ، ربما استطعت أن أنقلها لكم يوما مالكني أحب أن أختم التدوينة بالنهاية المعبرة لزكي نجيب محمود إنه كتاب صغير فيه 26 رسالة بعث بها مدير المجلس اليهودي الامريكي إلى صديقين له من رجال ذلك المجلس تقرؤه فتجد بين سطوره نكهة لم نألفها عند الأمريكيين خاصة ، فيأخذك شيء من الأمل إلى الاعتقاد بأن الإنسانية لن تعدم صوت الصدق يرتفع آنا بعد آن ، فتطوي الكتاب و أنت تردد لنفسك عنوانه الدال : على من يعرف الحق أن يعلنه .

شاهد على الصهييونية من يهود

هذا الاقتباس من كتاب ثقافتنا في مواجهة العصر لزكي نجيب محمود اهداء لليهود الشرفاء في كل مكان و أولهم يهود الناطوري كارتا http://www.nkusa.org/

لو كتب كاتب عربي في الصهيونية بما يفضحها و يشينها ، لقيل : عدو كتب ، و لو كتب فيها أوروبي محايد بما يظهر مواضع الخطر و الشر و السوء ، لقيل : مناهض للسامية تعصب ، لكن ماذا يقال إذا كان الكاتب يهوديا ، بل مديرا للمجلس اليهوديي الأمريكي ، إن له من يهوديته ما يعصمه من تهمة العداوة للجنس السامي و من أمريكيته ما يضمن عطفه مقدما على إسرائيل ، و إذن فلشهادته قيمة مضاعفة ، لأن يهوديته و أمريكيته معا لم تستطيعا أن تحجبا عنه الحق حين فتح عينه ليراه
و أما هذا اليهودي المرموق في يهوديته فهو الدكتور المر برغر Elmer Berger المدير التنفيذي للمجلس اليهودي في أميركا ، طاف بأقطار الشرق الأوسط في زيارة أراد بها أساسا أن يستطلع حال الأقليات اليهودية في تلك الأقطار ، ليبعث برسائله تباعا عما يراه و يسمعه ، فزار القاهرة و بغداد و بيروت و دمشق و القدس العربية في الأردن ، ثم ختم الجولة بزيارة القدس المحتلة في إسرائيل كان تاريخ خطابه الأول يوم 7 أبرل 1955 أرسله من السفينة التي أقلته من أميركا عبر المحيط الأطلسي ، و أعقبه خطاب ثان من السفينة ، ثم بدأت رسائله من القاهرة حيث بعث ب 6 رسائل خلال أسبوعين أقامهما بها ، و تركها إلى بغداد ليبعث منها برسالة واحدة ، ثم غقب عليها ببيروت فأرسل منها رسالتين ، ثم دمشق فأرسل منها كذلك رسالتين ، و بعدئذ أرسل من القدس العربية 4 رسائل و من القدس المحتلة مثلهم ، و من حيفا رسالة ، و ختم ب 3 رسائل أرسلها و هو في طريق عودته ، من الطائرة و من السفينة و من طنجة و من باريس ، فمجموع الرسائل ست و عشرون ، كتبت على شهرين و نصف الشهر و قد جمعت في كتاب صغير ، قرأته فلمست فيه الدقة و الأمانة و الصدق و أحسست من عنوانه شجاعة كاتبه في مواجهة الصهاينة إذ جعل العنوان : على من يعرف الحق أن يعلنه و كانت الرسائل كلها موجهة إلى شخصين بالاشتراك هما رئيس المجلس اليهودي و مقرره
و فيما يلي لمحات مما ورد في هذه الرسائل ، و منها يرى القاريء صورة لإسرائيل بالقياس إلى الوطن العربي ، فبينما وجد الزائر اليهودي في أرجاء الأمة العربية سعة الصدر و سماحة النفس و اعتدال الرأي و تسامح العقيدة و روح الإخاء ، مما لم يسع الزائر اليهودي إزاءه إلا أن يعبر عن دهشته العميقة للفارق الفسيح بين ما وجده و ما سمعه و رآه ، و بين ما كان قد تسلل إلى وطنه و وهمه خلال الدعاية الصهيونية التي تطن في أرجاء العالم بعامة ، و في الولايات الأمريكية بخاصة أقول أنه بينما وجد كل هذه الجوانب في البلاد العربية مما لم يكن يتوقع منه شيئا ، رأى العنت كل العنت من إسرائيل قبل دخوله فيها و بعد دخوله
فهذا هو خطابه الأول يكتبه على ظهر السفينة و هي تعبر به المحيط يذكر فيه حادثتين وقعتا له قبل أن يغادر بلاده بأيام قلائل ، يقول عن احداهما : ... انكما تعلمان ما كنت قد لقيته من مصاعب حين أردت أن أحصل على تأشيرة الدخول في إسرائيل ، فقد كتبت خطابا رسميا إلى أفرام هارمان القنصل العام الإسرائيلي في نيويورك بالإضافة إلى الطلب العادي الذي كنت قد قدمته قبل ذلك ببضع أسابيع و انتهى الأمر إلى أن دعيت إلى مقابلة السيد هرمان على غداء ، و بدل أن نتحدث على الغداء عن تأشيرة الدخول التي طلبتها ، دار الحديث عن السبب الذي يدعوني إلى الذهاب إلى إسرائيل و ما هو إلا أن تأدى بنا الحديث - بما اقتضاه منطق السياق - إلى مناقشة طويلة جدا حول مسائل مذهبية ... و أظن أنني أستطيع تلخيص ما دار بيننا حتى ساعة متأخرة من عصر ذلك اليوم بقولي أنه كان حديثا هادئا و منبها للتفكير ، لكننا انتهينا منه إلى إدراكنا بأن ما بينه و بيني في الرأي هو ما بين القطبين إذ لم يكن بيني و بينه أرض مشتركة على الإطلاق ، فهو كأغلبية رجال الحكومة الإسرائيلية علماني إلى أعماقه ، لا يرى فيه أدنى شعور بالعقيدة اليهودية ، و هو يكرس نفسه لما يسميه : الأمة اليهودية -فلا يكفيه أن يتحدث عن دولة يهودية - فهو يقول أن مصالح الأمة اليهودية في العالم تأتي أولا و منها تنبثق الدولة ، لأنك - هكذا قال - إذا ضمنت أن يتماسك يهود العالم في شعب واحد فقد ضمنت أن يتكفل هذا الشعب الواحد بإعادة دولة إسرائيل إذا ما أصابها السوء
و قد جرنا الحديث إلى محاولة إسرائيل تهجير اليهود من أوطانهم إليها ، و علمت منه كيف كان خلال الحرب العالمية ال2 (أي قبل نشأة إسرائيل) يمثل الوكالة اليهودية في رومانيا و كيف حاول عندئذ جمع المال و النفوذ ليستطيع بهما أن يخرج يهود رومانيا ليبعث بهم إلى فلسطين ، لكنه لم ينجح إلا بقدر ضئيل ، و لما أبديت له رأيي في حوادث شمالي افريقيا ، التي حدثت بتحريك من الصهاينة ، قال لي إن إسرائيل في الحقيقة ليست بحاجة إلى يهود عرب ، ثم قال : إنني لعلى استعداد أن أعطيك 10 من اليهود العرب لأستبدل بهم يهوديا أمريكيا واحدا و أضاف ما معناه أن اسرائيل الصهيونية إنما تفعل ذلك لإنقاذ اليهود ممن يحيطون بهم ، فاعترضته متعجبا كيف تريد إسرائيل الصهيونية هذه أن تجعل من نفسها إلها يعمل على تخليص عباده ، و تسائلت لماذا تظن إسرائيل أن يهود أميركا مثلا يحبون مغادرة وطنهم الأمريكي ليقيموا فيها ؟ ولما أبديت له رأيي بأن اليهودي حيث كان إذا هو أدمج نفسه في أبناء وطنه يشاركهم و يسايرهم كما ينبغي له أن يفعل ، اختفت كل مشكلة لليهود كما يتصورها ، أقول أني لما أبديت له ذلك أجاب على الفور بأن مثل هذا الدمج مضاد لأهداف إسرائيل ، لأن من شأنه أن يفتت " الشعب اليهودي " ولا تصبح بين أفراده تلك الرابطة التي هي في رأي الصهيونية جديرة بالاهتمام الأول ، ثم دار بيننا حديث طويل عن يهود أمريكا ، أما أنا فوجهة نظري هي أن تبقى اليهودية بالنسبة إليهم عقيدة دينية لا تمس ولاءهم لأمريكا في شيء ، و أما هو فوجهة نظره - و هي وجهة نظر الصهاينة جميعا - أن جزءا من العقيدة الدينية اليهودية نفسهاينبغي أن يكون إقامة الرابطة التي تربط يهود العالم في دولة واحدة ، يقول ذلك عن العقيدة الدينية اليهودية مع اعترافه في أثناء الحديث أنه لا يعبأ بهذه العقيدة من حيث هي ، ولا يريد لها أن تكون أداة لتحقيق أغراض السياسة الصهيونية ، حتى لقد صارحته بوجهة نظري و هي أنا إسرائيل تريد في حقيقة أمرها أن تباعد بين اليهود و ديانتهم ، مصطنعة لهم موقفا دنيويا سياسيا صرفا و بينت له أن انشطار اليهود على هذا النحو بحيث يصبحون فريقين ، فريق يستهدف جمع اليهود تحت راية السياسة بغض النظر عن العقيدة الدينية ، و فريقا آخر يريد لليهود أن يظلوا مواطنين حيث هم مع احتفاظهم بعقيدتهم الدينية ، ليس هو بالأمر الجديد بل ظهرت بوادره منذ الثورتين الأمريكية و الفرنسية في القرن ال18
كانت تلك المقابلة مع هاري احدى الحادثتين التين قال الكاتب في أول خطابه أنه صادفهما قبيل مغادرة نيويورك ، و أما الحادثة الثانية فهي أنه حضر مع زوجته احتفالا راقصا اكتفيا فيه بالجلوس و المشاهدة ، فشاركهما على المائدة رجل و زوجته و سرعان ما دخلوا معا في حديث ، تبين منه أن هذا الرجل يعمل في وزارة الخارجية الأمريكية و أنه من خبراء الشرق الأوسط و لما علم أن محدثه هو مدير الجمعية اليهودية الأمريكية،التي لا تناصر الصهيونية وجهة نظرها بالنسبة لإسرائيل،قال ما معناه أنه لو ترك لرأيه الحر لما رأى غير هذا الرأي المعارض للسياسة الصهيونية و أن الوجود الإسرائيلي لا يقوم على أساس عادل ، إلا إذا بترت العلاقة بينهما و بين الصهيونية العالمية

لنتواصل !

أحب أولا أن أبدأ باقتباس أضحكني كثيرا قاله رفعت إسماعيل بطلي المفضل في حلقة الرعب السابعة " الحلقات المنسية " يقول : ككل إنسان أتمنى أن تصدر جريدة مخصصة للكلام عن آرائي في الحياة ، و على صفحتها الأولى أخبار عن استيقاظي من النوم و خروجي من الحمام . إلخ ... أنا مندهش لماذا يضيع الناس وقتهم في الكلام عن المال و الفلسفة و السياسة ولا يكرسون حياتهم للكلام عني أنا ! حسنا لا داعي للأفكار الشريرة يبدو أنني أختلف مع العجوز رفعت ، فأنا لن أستطيع أن أكرس هذه المدونة للكلام عن حياتي الشخصية - طبعا باستثناء موضوع البطيخة لأهميته الحيوية - كباقي المدونات ، أنا فقط أحببت أن أضيف ايميلي الخاص و أن أدعو كل من لا يستطيع أن يضيف رد هنا - و قد تكررت الشكوى - أن يتواصل معي عن طريقه telepathy_esper@hotmail.com
احم ... طبعا لا مانع من القليل من الكلام عن استيقاظي من النوم و خروجي من الحمام إلخ:ض

Saturday, September 1, 2007

أيلول الحزين !

هذا أيلول يعودنا من جديد ، هل تصدقوني إن أخبرتكم أن شوارع المدينة الحزينة الباردة في سبتمبر تثير الدفء في قلبي ؟
يا الله ، هلا دام أيلول هذا إلى الأبد ؟

Friday, August 31, 2007

تعقيب لابد منه

أنا أعرف أن موقف الكنيسة المصرية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي منذ البداية كان موقفا وطنيا مشرفا ، و بخاصة البابا شنودة الثالث ، يكفي أن الرجل أوقف الحج إلى القدس حتى تتخلص من الاحتلال ، و الموضوع لن يكتمل حتى يأتينا صديقي ميكو بتفسير الكنيسة و وجهة نظر إخواننا الأقباط بخصوص ما يسمى بنصوص عهد الله لإسرائيل في العهد القديم ، طبعا كل مسيحي مدعو للاشتراكأنا أكرر أسفي للربط بين الصهيونية أو اليهود المتطرفين و باقي اليهود ، هناك يهود الناطورا كارتا و هم من أكثر الناس معارضة لقيام إسرائيل و لهم تفسيراتهم الدينية الخاصة ، هذه اللهجة في المقال تكفي للذهاب بالكاتب إلى وراء القضبان في معظم الدول الأوروبية صاحبة الحرية الفكرية و الرسومات الكاريكاتورية الظريفة ، بس ربنا يستر معانا

عن فلسطين و الوعد

فلسطين : روح العرب الممزق المؤلف مجموعة من الكتاب الكتاب عبارة عن مجموعة مقالات كتبت على مدى أعوام عديدة و نشرت في مجلة العربي ، و يعتبرالكتاب بمثابة مرآة تظهر آلام الشعب العربي و أحلامه كأمة حية و مسؤولة ، لها آلامها و طموحها حيال القضية الفلسطينية. يعرض الكتاب بداية تاريخ فلسطين و الفلسطينيين و الذي سُلب قبل أرضها ، و تم نشر خرافات و قصص تم تصديقها في الغرب. ثم يستعرض التاريخ "الحقيقي" لفلسطين و تتابع الأمم منذ أواخر القرن الرابع قبل الميلاد مرورا بالحروب الصليبية التي أولاها الصهاينة أهمية كبيرة لما شكلته من نقلة بين الحركة الصهيونية و المستقبل ، حتى أنهم أوجدوا تخصصا في الجامعة العبرية يعني بدراسة الحروب الصليبية. كما يوضح كيف بدأ الإستيطان في فلسطين و بالتحديد في مدينة طبرية في القرن السادس عشر ، ثم أسطورة الهولوكوست. و ينوه لمعاناة مدينة القدس عبر السنين وما يعايشه سكانها من تدهور في جميع مجالات الحياة بالإضافة لعدم التوازن الديمغرافي. و أخيرا يتعرض الكتاب للإنتفاضة الحالية و معاناة الفلسطينيين و أن هذا كله لم يجعلهم يتخلون عن حلمهم بالإستقلال و الحرية، كما يدعو إلى إلتفاف و دعم عالمي لقضية فلسطين عبر جميع وسائل الإعلام و فضح جرائم النظام الإستعماري اليهودي و مساءلته أمام القانون الدولي. الصهيونية بذور سوداء داخل ديانة قديمة من كتاب فلسطين...روح العرب الممزق لقد مرت مأساة الشعب الفلسطيني بعدة مراحل و لعل أولاها هي المرحلة التي انحاز فيها إله العبرانيين إلى بني إسرائيل انحيازا مطلقا في مقابل العداء المطلق المصوب ضد غيرهم من الشعوب و المرجعية الأساسية لهذا الانحياز تستند إلى كتب العبرانيين التي يقدسونها حتى اليوم و منها العهد القديم فنجد إله العبرانيين يوزع أراضي الشعوب المستقرة و منها الشعب الفلسطيني على بني إسرائيل دون وجه حق ( و كان في الأرض جوع غير الجوع الأول الذي كان أيام إبراهيم فذهب إسحق إلى أبيمالك ملك الفلسطينيين إلى جرار و ظهر له الرب ....إلخ إلى أنا قال لأني لك و لنسلك أعطي جميع هذه البلاد و أفي بالقسم الذي أقسمت لإبراهيم أبيك ) تكوين إصحاح 26 : 1_4و كذلك : و قال الرب لموسى اذهب اصعد من هنا أنت و الشعب الذي أصعدته من أرض مصر إلى الأرض التي حلفت لإسرائيل و اسحق و يعقوب قائلا لنسلك أعطيها و أنا أرسل أمامك ملاكا و أطرد الكنعانيين و الأموريين و الحثيين ...إلخ (خروج 33 : 1_3 ) و إله العبرانيين يحرض موسى قائلا : احترز من أنا تقطع عهدا مع سكان الأرض التي أنت إليها آت لئلا يصيروا فخا في وسطك بل تهدمون مذابحهم و تكسرون أنصابهم ( خروج 34 : 11_16 ) كما أن الأتقياء من بني إسرائيل ما زالوا يرددون : و كلم الرب موسى في عربات مؤاب على أردن أريحا قائلا كلم بني إسرائيل و قل لهم إنكم عابرون الأردن إلى أرض كنعان فتطردون كل سكان الأرض من أمامكم و تمحون جميع تصاويرهم ...و تخربون جميع مرتفعاتهم ...تملكون الأرض و تسكنون فيها لأني قد أعطيتكم الأرض لكي تملكوها و تقسموا الأرض بالقرعة بين عشائركم (عدد 33:50_54) إن هذا الإله المنحاز لشعبه المختار لا يكتفي بطرد السكان الأصليين من أجل عيون بني إسرائيل و إنما يحذرهم قائلا : و إن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكا في أعينكم و مناخس في جوانبكم و يضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها فيكون أني أفعل بكم كما هممت أن أفعل بهم عدد 33:55_56إن مهمة هذا الإله هي توزيع أراضي الغير على بني إسرائيل فبعد أن مات موسى استدعى الرب يشوع و قال له : موسى عبدي قد مات. فالآن قم اعبر الأردن أنت و كل هذا الشعب إلى الأرض التي أنا معطيها لهم أي لبني إسرائيل .كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسى . من البرية و لبنان إلى هذا النهر الكبير نهر الفرات. جميع أراضي الحثيين و إلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس تكون تخمكم يشوع1:1_9إن المؤمنين الأتقياء من بني إسرائيل المعاصرين يلغون عقولهم في سبيل التمسك بالنص .فإذا كانت الشعوب المنتمية إلى أوطان لها حدود جغرافية محددة . و اكتسبت هذه الحدود بحق الاستقرار الذي جاء تتويجا لظروف النشأة و البناء و العمل و التشييد ..إلخ، فإن مشيئة إله العبرانيين تقرر سلب أراضي الشعوب التي زرعت و شيدت و تسلميها إلى شعبه المختار : و متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي حلفت لأبائك إبراهيم و اسحاق و يعقوب أن يعطيك مدن عظيمة جيدة لم تبنها و بيوت مملؤة كل خير لم تملأها و آبار محفورة لم تحفرها و كروم و زيتون لم تغرسها و أكلت و شبعت . فاحترز لئلا تنسى الرب الذي أخرجك من أرض مصر بيت العبودية . الرب إلهك تتقي و إياه تعبد و باسمه تحلف تثنية6 :10_13إن الحركة الصهيونية في العصر الحديث التي استهدفت تجميع اليهود من كل بلاد العالم من أجل استيطانهم في أرض ليست لهم و هي الحركة التي انتهت بطرد الشعب الفلسطيني من أرضه هذه الحركة الصهيونية إنما تستند إلى مرجعية الديانة العبرية، فها هي مشيئة إله العبرانيين تقرر : متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتملكها و طرد شعوبا كثيرة من أمامك...إلى أن يقول : لا تقطع لهم عهدا و لا تشفق عليهم ولا تصاهرهم .إياك قد اختار الرب إلهك لتكون شعبا أخص من جميع الشعوب الذين على وجه الأرض تثنية 7 :1_7 و لإنه إله ملاكي (خاص) فهو يكرر ذات المعنى في ذات السفر 9 :1_6 و في غيره من أسفار العهد القديم و العنف الذي يمارسه المتدينون الأتقياء من بني إسرائيل المعاصرين له مرجعيته الدينية في كتابهم المقدس ففي سفر التثنية يقول موسى لبني إسرائيل إنه عند الدخول إلى مدينة لمحاربتها و قبلت الصلح، فإن أبناء الشعب المغزو يتحولون إلى عبيد لبني إسرائيل . أما في حالة رفض الصلح يقول موسى : و إن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها و إذا دفع بها الرب إلهك إلى يديك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف! و أما النساء و الأطفال و البهائم و كل ما في المدينة كل غنيمتها فتغنمها لنفسك تثنية 20 :10_15 و إذا كان العهد القديم يمتليء بالحقد على مصر و المصريين فإن لغة العلم تختلف عن لغة الأيديولوجيا و من ذلك أن بسماتيك الأول ( سمح لليهود أن يتدفقوا على مصر و أن ينشئوا لأنفسهم مستعمرة خاصة بهم بل سمح لهم أن يقيموا معبدا لإلههم يهوه بل إنه بفضل تسامح المصريين و رحابة صدورهم عاش اليهود في مصر ) و بعد هذا العطاء و هذا التسامح ماذا حدث (و هكذا انتهت الأمور باليهود أن نسوا لمصر أنها أطعمتهم من جوع و آوتهم من تشرد فردوا لها الجميل نكرانا و كانوا عليها للفرس أعوانا و في حاميتهم جنودا ) و كان لابد أن تزداد كراهية المصريين لليهود بعد أن رأوهم من طول إقامتهم في بلادهم خونة و جواسيس و مثار فتن و أذنابا لأعداء البلادو إذا كان الرحالة الاغريقي هيرودوت (أبو التاريخ ) الذي زار مصر في القرن الخامس ق.م. وصف المصريين بانهم (يزيدون كثيرا عن سائر الناس في التقوى) فإن العالم الكبير سيغموند فرويد يؤكد على ذات المعنى بعد حوالي 2500 سنة من شهادة هيرودوت عندما وصف المصريين القدماء بأنهم (ودعاء) بينما وصف الساميين بأنهم همج و أن الشعب اليهودي قد قيض له القدر سلسلة من الامتحانات القاسية و التجارب المؤلمة و من ثم صار إلهه إلها صلبا قاسيا متدثرا بالكآبة )و لأن فرويد عالم يحترم لغة العلم فقد كتب (رغم أنه موسوي الديانة ) ليس بوسع أي مؤرخ أن ينظر إلى القصة التي ترويها التوراة عن موسى و الخروج بأكثر من أنها أسطورة دينية ) و ذلك لمصلحة اتجاهاتها الأيديولوجية ....إلخ ثم أضاف في نهاية الفقرة : و لكننا لا نستطيع أن نبقى بغير اكتراث عندما نجد أنفسنا في تعارض مع البحوث التاريخية اليقظة لعصرنا لقد قفز باعتقادي قفزة واسعة و انتقلت من ضرورة التفرقة بين اليهودية كدين و الصهيونية كفكر إلى عدم الفصل بينهما و أن الثانية ما هي إلا تتويج للأولى أو على نسق الصيغة الماركسية الشهيرة أن الصهيونية هي أعلى مراحل اليهوديةو إذا كان الأصوليون اليهود يستندون إلى العهد القديم في تمسكهم بأرض الميعاد و طرد الشعب الفلسطيني من أرضه فلمصلحة من يدعي بعض الكتاب المصريين ذوي الصيت الإعلامي_ الثقافي أن يهود اليوم غير يهود الأمس، استنادا إلى عنصر الأنثروبولوجيا و لماذا لم يسأل هؤلاء الكتاب أنفسهم إذا كان يهود اليوم غير يهود الأمس فلماذا يرددون في صلواتهم : قال موسى يقول الرب إني نحو نصف الليل أخرج وسط مصر ، فيموت كل بكر في أرض مصر ، من بكر فرعون الجالس على العرش إلى بكر الجارية التي خلف الرحى و كل بكر و بهيمة و يكون صراخ عظيم في كل أرض مصر لم يكن مثله و لن يكون مثله أيضا ! كما أن هذا الإله المنحاز يخاطب شعبه المختار قائلا : و يكون لكم الدم علامة على البيوت التي أنتم فيها . فأرى الدم و أعبر عنكم فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب أرض مصر و يكون هذا اليوم تذكارا فتعيدونه عيدا للرب في أجيالكم تعيدونه فريضة أبدية الخروج 11 : 4_7 و 12:13_14و إذا كان صهاينة اليوم غير يهود الأمس فإلى من ينسب الباحث العهد القديم الذي يستمسك به الأصوليون في اسرائيل اليوم ، و يرددون في صلواتهم بكل خشوع المؤمن : فخلص الرب في ذلك اليوم ، إسرائيل من يد المصريين و نظر إسرائيل للمصريين أمواتا على شاطيء البحر خروج 14:30_31و أيضا فقرات من سفري العدد و التثنية و هما مثل باقي أسفار العهد القديم يبخان سما على الفلسطينيين و غيرهم من الشعوب :و علمت أن الله هناك/أحكم فرعون و جنوده الحصار فخرجت جنود الله كل رجل بسلاح ، و تحول البحر لهم يابسة ،و عبرته طائفة مقدسة و تغنى كل رجل و امرأة أغنية حتى من في بطن أمه غنى ...فهل هناك شكأن المسألة ليست مسألة أنثروبولوجيا بل هي مسألة اعتقاد ديني مستمد من العهد القديم ذلك الكتاب الذي يعلي شأن إله دموي لصالح شعب أكثر منه دموية .و هناك العديد من الآيات في العهد القديم تطفح بالحقد على مصر و المصريين لدرجة تحويل أرض مصر و نيلها إلى دم و بعوض و ذبان ...إلخ و إلى درجة التحريض على سرقة المصريين و التحريض على قتل كل بكر في أرض مصر من بكر الناس إلى بكر البهائم فإذا كان الأمر كذلك كيف نفصل بين صهاينة اليوم و يهود الأمس ؟ خاصة أن إسرائيل ليس لديها خريطة تحدد حدودها منذ إنشائها في عام 1948 حتى اليوم ، بل أكثر من ذلك فإن الأصوليون اليهود مازالوا يفرضون على الأجيال الجديدة أن تردد في طابور المدرسة الصباحي و في صلواتهم في المعابد الآية الشهيرة التي تنص على : في ذلك اليوم قطع الرب مع ابرام (إبراهيم في ما بعد) قائلا أعطي لنسلك هذه الأرض ، من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات ! تكوين 15:18 و لو أن أي صهيوني استخدم عقله لعرف أن هذا الإله العبراني صناعة يهودية خالصة لأن التخريف و الهراء دليل على هذا الكذب السافر، لأنه من المعلوم أن نهر النيل أكبر من الفرات ( حوالي 6640 كم في حين أن الفرات 2330 كم منها 1200 كم في العراق و 675 في سوريا و 455 في تركيا فلو أن هذا الإله العبراني رأى نهر النيل أو لو أنه كان يعرف أبسط المعلومات الجغرافية التي يعرفها تلميذ في المرحلة الاعدادية لما وقع في هذا الخطأ الذي يدل على الكذب و هو يلجأ إلى الكذب حتى يهب أراضي الغير لشعبه المختارأتوقف عند هذه النقطة من الفصل لأني لا أستطيع أن أقبل التعميم على كل اليهود سواء يهود الأمس أو اليوم و أعتذر عن لغة الكاتب و حميته على إله اليهود
http://www.alarabimag.com/arabi/Data/2007/7/1/Default.xml

Wednesday, August 29, 2007

الإسرائيليات و الأحاديث الموضوعة

الإسرائيليات و نماذج للأحاديث الموضوعة
هناك خمسة شروط وضعها علماء السنة لقبول الأحاديث النبوية : ثلاثة منها في السَند (روى فلان عن فلان عن فلان ) و اثنان في المتن (نص الحديث ) و هو أنه يجب ألا يكون شاذا و ألا تكون به علة قادحة فإذا اضطرب أحد هذه الشروط نزل الحديث عن درجة الصحة _ إنه لا خلاف بين المسلمين في العمل بما صحت نسبته لرسول الله وفق أصول الاستدلال التي وضعها الأئمة ،و انتهت إليها الأمة...إنما ينشأ الخلاف حول صدق هذه النسبة أو بطلانها ...و هو خلاف لا بد من حسمه ،ولابد من رفض الافتعال أو التكلف فيه
نماذج لأحاديث موضوعة ( من كتاب السنة النبوية بين أهل الفقه و أهل السنة للإمام محمد الغزالي )
أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه 0 و قد أنكرت عائشة هذا الحديث عندما سمعته و حلفت أن الرسول ما قاله و قالت بيانا لرفضها إياه : أين منكم قول الله سبحانه ( لا تزر وازرة وزر أخرى ) .... إنها ترُد ما يخالف القرآن بجرأة و ثقة و مع ذلك فإن هذا الحديث المرفوض من عائشة ما يزال مثبتا في الصحاح
و حديث الآحاد يفقد صحته بالشذوذ و العلة القادحة و إن صح سنده .... فأبو حنيفة يرفض حديث ( لا يُقتل مسلم في كافر ) مع صحة سنده لأن المتن معلول بمخالفة النص القرآني ( النفس بالنفس ) و على هذا لو قتل فيلسوف كانس طريق ، قُتل فيه لأن النفس بالنفس و هذا أقرب إلى احترام النفس البشرية دون نظر إلى البياض و السواد ، أو الحرية و العبودية ، أو الكفر و الإيمان
عن أبي هريرة عن رسول الله قال : جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال أجب ربك ، فقال : فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها ! ، فرجع الملك إلى الله تعالى فقال : إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت و قد فقأ عيني ، قال : فرد الله إليه عينه ،و قال ارجع إلى عبدي فقل له : ارجع إلى عبدي فقل له : ألحياة تريد .........و هذا الحديث صحيح السند و لكن متنه يثير الريبة ، إذ يفيد أن موسى يكره الموت ، ولا يحب لقاء الله بعدما انتهى أجله و هذا المعنى مرفوض بالنسبة إلى الصالحين من عباد الله كما جاء في حديث آخر ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، و من كره لقاء الله كره الله لقاءه ) فكيف بأنبياء الله ؟ و كيف بواحد من أولي العزم مثل موسى عليه السلام ؟ إن كراهيته للموت بعدما جاءه ملك الموت أمر مستغرب ! ثم هل الملائكة تعرض لهم العاهات التي تعرض للبشر من عمى أو عور ؟ ذاك بعيد
و الذي ساءني عندما رجعت إلى الحديث في أحد مصادره أن الشارح ( المازري ) جعل رد هذا الحديث إلحادا ! و شرع يفند الشبهات الموجهة إليه بأن فقأ العين على المجاز و المراد أن موسى حاجه فغلبه بالحجة ، ويقال : فقأ فلان عين فلان إذا غالبه بالحجة ! و في هذا ضعف لقوله : فرد الله عينه ( و هذا يدفع كون فقأ العين على سبيل المجاز ) و هذا الدفاع كله خفيف الوزن و هو دفاع تافه لا يساغ
و من وصم منكر الحديث بالإلحاد فهو يستطيل على أعراض المسلمين و الحق : أن في متنه علة قادحة تنزله عن مرتبة الصحة . و رفضه أو قبوله خلاف فكري و ليس خلافا عقائديا . و العلة في المتن يبصرها المحققون و تخفى على أصحاب الفكر السطحي
و أخيرا فهذا الحديث و أمثاله مما لا صلة له بعقيدة أو سلوك قارُ في مكانه تعدوه العين إلى المهم من تعاليم الإسلام العملية ، فمن شغل الناس به؟ ، و نسب الإلحاد إلى من ينكره ؟! إن أعداء الصحوة من وراء هذا العمل الطائش

و قد رفض الأئمة أحاديث صح سندها و اعتل متنها فلم تستكمل بهذا الخلل شروط الصحة ....
هذا و أن اليقين الثابت بالعلم و بالوحي لا يجوز أن يتقدم عليه ظن علمي يرويه حديث آحاد ، يزعم فيه الراوي أن الأنوثة تنشأ من علو ماء الأنثى على ماء الرجل ! إن حديث الآحاد يتأخر حتما أمام النص القرآني ( و أنه خلق الزوجين الذكر و الأنثى من نطفة ...) و أيضا أمام الحقيقة العلمية و الواقع التاريخي ، أو يتأخر كما يقول المالكيون أمام عمل أهل المدينة ،و أمام القياس القطعي كما يقول الأحناف
كان عمر رضي الله عنه يشغل نفسه و يشغل الناس معه بالقرآن الكريم و يأمر الجيوش أن تلهج به و تعكف عليه . و من أقضيته التي استند فيها إلى القرآن وحده : ما رواه ابن إسحاق ، قال : كنت جالسا مع الأسود بن يزيد في المسجد الأعظم ، و معي الشعبي فحدث بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله لم يجعل لها سكنى ولا نفقة _ و كانت قد طُلقت ثلاث مرات _ فأخذ الأسود كفا من حصى فحصبه به ! ثم قال : ويلك تحدث بمثل هذا ؟ قال عمر : لا نترك كتاب ربنا و سنة نبينا لقول امرأة لا ندري حفظت ام نسيت ، لها السكنى و النفقة . قال تعالى : لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) و حديث فاطمة المذكور هو موضع خلاف بين الفقهاء ، رفضه الأحناف و يرى المالكية و الشافعية : أن المطلقة ثلاثا لها السكنى دون النفقة
و لمن شاء أن يدرس القضية في مصادرها و الذي يعنينا منها : أن عمر جعل ظاهر القرآن هو السنة التي تُتبع ، و لهذه المرأة نفسها :فاطمة بنت قيس حديث آخر في سياق طويل قالت فيه أن الدجال موجود في إحدى الجزر ببحر الشام أو بحر اليمن ، مشدود الوثاق و قد رآه تميم الداري بعدما غرقت السفينة التي كان يركبها هو و صحبه و تحادثوا معه و هو موشك على الخروج ! إن أساطيل الرومان و العرب و الترك و الفرنج تجوب البحرين الأبيض و الأحمر من بضعة عشر قرنا و لم ترهذه الجزيرة و في عصرنا هذا طرق كل شبر في البر و البحر و التقطت صور لأعماق المحيطات بالأقمار الصناعية فأين تقع هذه الجزيرة ؟! و أخيرا تذكرت قول عمر و هو يرد على حديث نفقة المطلقة ثلاثا : لا ندع كتاب ربنا و سنة نبينا لحديث امرأة لا ندري حفظت أم نسيت ؟ ...قلت : و نحن لا نعرض كتاب ربنا و سنة نبينا للتكذيب من أجل حديث السيدة نفسها ، في قضية أخرى
ذلك و هناك قضايا لا يجوز فيها التساهل لخطورتها ، و قد شعرت بالغيظ و أنا أقرأ أن يهوديا سحر النبي عليه الصلاة و السلام و أعجزه عن مباشرة نسائه مدة قدرها ابن حجر بستة شهور!! أكذلك تنال القمم ؟ و قد سرني أن الشيخ محمد عبده قد رفض هذا الحديث ، و هذا فضلا عن كون سنده معلولا و هناك من الأحاديث ما هو مرفوض لضعف متنه و سنده معا كحديث الحمار يعفور و هو حديث مضحك فضلا عن كونه موضوع و واضعه يتمتع بحس فكاهي واضح و كذلك حديث الغرانيق فهو حديث منكر من جميع أهل السنة و الجماعة و موضع رواته معروف عند أئمة الجرح و كتب الرجال
هذا و يجب على المسلم أن يستهدي بفطرته في تجنب الضعيف و قبول الصحيح من الأحاديث النبوية و هي فطرة تصقلها التلاوة الدائمة لكتاب الله ، و الحب الصادق لهذا الوحي المبارك ، و الدراسة الحسنة لمناهج الفقهاء الأربعة الكبار و من يليهم من أهل الذكر و قادة الفكر .
ذاك ما هديت إليه ، فإن كان حقا فمن الله و إن كان خطأ فمني و أستغفر الله أولا و آخرا

Saturday, August 25, 2007

إنما الدنيا دار فراق

لحظة هزتني من الأعماق ، عندما وقعت على مدونة لم تعد صاحبتها - رحمها الله - بيننا . كنت قد تعلمت الكثير عن الحياة و أحسست أني اقتربت كثيرا من فهم مغزاها منذ بدأت دروسي العملية هذا العام ، منذ بدأ اختلاطي بالمرضى و القريبين من الموت و تعلمت منهم الكثير ، لكن بعد كل هذه الشهور و البعد عن مستشفى الباطنة كنت قد بدأت أنسى و تسحبني دوامة الحياة ، و اليوم ذات الشعور يعود !
هذا عنوان المدونة ، ادعوا الله أن يرحمها و يرحمنا
http://shikoonline.blogspot.com/
http://2insana.blogspot.com/2007/08/shiko-online.html

Friday, August 10, 2007

تدوييين

أجمل ما في موضوع "التدوين" هذا ، أنه أيقظ في أعماقي حب اللغة و الكتابة من جديد ، بعدما فقدت قدرتي على تذوق العربية أثناء غرقي طويل الأمد وسط بحور من المصطلحات الطبية لاتينية الأصل، بشعة الوقع

Wednesday, August 8, 2007

مصر

في الأيام الماضية كانت تشغلني كثيرا فكرة واحدة ، أخذت أطيل التفكير فيها و أتحير بها ، الفكرة هي مجرد سؤال وحيد : ما هي مصر بالنسبة لي ، اكتشفت فجأة أنه سؤال أكبر كثيرا مما يبدو ، أعمق و أكثر إثارة للحيرة من مسلسلات الفداء الوطني و رأفت الهجان ، ما الذي تعنيه مصر بالنسبة لي ؟ هل هي مذاق الشاي بالنعناع ساعة العصاري ، أم نسائم الهواء تداعب مويجات النيل في ليلة صيفية ، أم هي الحب الأول و البنوتة ذات الضفائر في الشارع المجاور ، أم أغاني عبد الحليم ، أم هي ما تبقى من ذكريات الطفولة و الصغر ، أم هي الريف و الخضرة التي تسحرني ، أم أن مصر هي الناس ، هي المصريون ، هي الثقافة و التقاليد و الطباع التي نحملها ، و التي لا ندين بها لأحد سواها .أخبروني هل يمكن أن تكون مصر كل هذا معا ؟
أجيبوني رجاء : ما هي مصر بالنسبة لكم ؟

Tuesday, August 7, 2007

وداعا يا بطيخة

النهاردا الحمد لله أخيرا اتخلصت من "بطيخة" مزعجة

Monday, August 6, 2007

لا تصالح

بما أنني في فترة امتحانات - السنة الخامسة بكلية الطب - و هذه الفترة تبدأ قبل ميعاد امتحان الباطنة بحوالي 3 شهور ، طبعا يبدو هذا من العجائب لباقي الطلبة الجامعيين ، المهم مما لا يخفى على طلبة الطب أن فترة الامتحانات هذه تتركنا في درجة من ضحالة الخيال و جفاف الفكر أجاركم الله من مثلها ، لذا فكرت أن أكتفي بنقل أبيات شعر و قصائد أحبها و تأثر بي جدا ، و هكذا أنأى بنفسي عن عذاب التفكير في تدوينات جديدة بل أمارس دور المطبعجي أو ربما آلة الطباعة ذاتها ، هذه مقاطع من لا تصالح لأمل دنقل كتبها ليعبر عن موقف المثقفين - و الشعب كله - من السلام مع إسرائيل

لا تصالح

لا تصالح و لو منحوك الذهب
أترى حين أفقأ عينيك
و أثبت جوهرتين مكانهما
هل ترى ... ؟ هي أشياء لا تشترى
ذكريات الطفولة بين أخيك و بينك
حسكما - فجأة - بالرجولة
هذا الحياء الذي يكبت الشوق حين تعانقه
الصمت - مبتسمين - لتأنيب أمكما
و كأنكما ما تزالان طفلين
تلك الطمأنينة الأبدية بينكما
أن سيفان : سيفك
صوتان : صوتك
أنك إن مت :للبيت رب
و للطفل أب
هل يصير دمي بين - عينيك - ماء ؟
أتنسى ردائي الملطخ بالدماء
تلبس - فوق دمائي - ثيابا مطرزة بالذهب ؟
إنها الحرب ! قد تثقل القلب
لكن خلفك عار العرب
لا تصالح !ولا تتوخى الهرب


2

لا تصالح على الدم .... حتى بدم
لا تصالح ... و لو قيل رأس برأس
أكل الرؤس سواء ؟
أقلب الغريب كقلب أخيك ؟
أعيناه عينا أخيك ؟
و هل تتساوى يد ... سيفها كان لكبيد سيفها أثكلك ؟
سيقولون :جئناك كي نحقن الدم
جئناك كن - يا أمير - الحكم
سيقولون : هانحن أبناء عم
قل لهم : إنهم لم يراعوا العمومة فيمن هلك
و اغرس السيف في جبهة الصحراء
إلى أن يجيب العدم
إنني كنت لك
فارسا ،و أخا ،و أبا ،و ملك !

3
لا تصالح
و لو حرمتك الرقاد
صرخات الندامة
و تذكر
( إذا لان قلبك للنسوة اللابسات السواد و لأطفالهن الذين تخاصمهم الابتسامة (أن بنت أخيك زهرة تتسربل - في سنوات الصبا -بثياب الحداد
كنت إن عدت تعدو على درج القصرتمسك ساقي عند نزولي
فأرفعها و هي ضاحكة
فوق ظهر الجوادهاهي الآن صامتة
حرمتها يد الغدرمن كلمات أبيها
و ارتداء الثياب الجديدة
من أن يكون لها - ذات يوم - أخ
من أب يبتسم في عرسها
و تعود إليه إذا الزوج أغضبها
و إذا زارها يتسابق أحفاده نحو أحضانه
لينالوا الهدايا
و يلهوا بلحيته و هو مستسلم
و يشدوا العمامة


4
لا تصالح و لو توجوك بتاج الإمارة
كيف تخطو على جثة ابن أبيك ؟
كيف تنظر في يد من صافحوك
فلا تبصر الدم في كل كف ؟
إن سهما أتاني من الخلف
سوف يجيئك من ألف خلف
فالدم - الآن - صار وساما و شارة
لا تصالح و لو توجوك بتاج الإمارة
إن عرشك : سيف و سيفك : زيف
إذا لم تزن -بذؤابته- لحظات الشرف
و استطبت الترف

Thursday, August 2, 2007

طريق ثلجي

هذه أول قصة كتبتها أحببت أن أفتتح بها مدونتي - إلى أن يفتح الله علي

وحدي أسير في الطريق، يحيطني الجليد من الجانبين ، يملؤني مزيج من خوف وإقدام ....خوفي من المجهول ، وإقدامي لأنني أعرف أن لا سبيل للرجوع.....طريق طويل هو ....لكن ما خياري ؟ تجرني قدماي المتثاقلتان قصرا، وينتابني شعور بأن الأمور حتما لن تكون بهذا السوء ، إن الكثير من أبناء قريتي قد مروا بهذا الطريق قبلي....صحيح أنني لم أسمع منهم ، ولكن يكفيني أنهم لم يقضوا ها هنا مذاق الثلج الأبيض في فمي ، وعيناي لا تريان إلا الجليد على مرمى البصر ، كأن ليس من الألوان إلا الأبيض.....صبرا ، إن الطريق يقترب من نهايته .....أتذكر الساعات الفائتة ، أعود بذاكرتي إلى الوراء يوما.
جالس أنا أرقب خصلات شعري تتساقط أمامي ....لم أمر بمثل هذا من قبل، لذا اعذروا جزعي ، إن سنواتي القليلة في الحياة لم تسمح لي بالكثير من التجارب كما تعلمون. أخرج من عند الحلاق ومنظر الموسى الحاد لا يزال يبرق أمام ناظري ، و أراها ........ هنالك بجوار شجرة السرو كالعادة ، أقترب منها خجلا - ترى كيف تظن برأسي الأصلع ؟ - أستطيع الآن أن أرى الدموع تلتمع في عينيها " ألن أراك بعد اليوم ؟ " _ ". أمي تقول أن لا عودة " _ثوان و تنحدر القطرات من المحجرين.....أنا لا أريد أن أبكي ، ربما لا أراها بعد اليوم " إنني لا أستطيع أن أنساكِ " _ أركض نحو المنزل قبل أن أخضع لضعفي ، أتذكر كم ليلة قضيناها نتقاذف الكرات الجليدية أمام منزلها مع الرفاق ، كيف لي أن أنساها ، أو عينيها المترقرتين بالدمع ، كأمواج البحر. أعبر من الباب بخطوات لا تزال مرتبكة، أرى أمي تعد العشاء" يجب أن تنام مبكرا الليلة " لكني أريد أن أقضي المزيد من الوقت مع إخوتي الصغار......إنني سأفتقدكم كثيرا......لكن لساني يرفض أن يتحرك ....لو نطقت ، لسال كل الدمع المحتجز تحت جفني........أضع رأسي على الوسادة ، و لا أشعر بشيء بعدها. أغرق في سبات عميق ، لأصحو على هزات أمي مع أضواء النهار الوليد......."حان الوقت للرحيل". لا لن أغالب دموعي أكثر ........تجذبني إلى حضنها الدافيء ....هي تعلم أن هذه آخر مرة "سأذهب لأحضر بعض الحليب بنفسي يا أماه" تعرف هي أنني أود أن أودع حيواني الأليف....لطالما اعتنيت به من قبل أن ينتصب على قائمتيه حتى. سأتركه حرا قبل أن أرحل .....الآن لتذهب أينما تشاء آخذ ما أعدته لي أمي في حقيبة ضئيلة الحجم، كي لا تعوق حركة جسدي الأكثر ضآلة .......وأبدأ الرحلة وذكريات ليلة البارحة لا تفارق خيالي.......إنني لن أراها بعد الآن أبدا. ألقي نظرة وأنا أمضي على نافذتها الصغيرة ........ربما أنت الآن غارقة في عالم أحلامك ، ربما كنت فيه معك ، أشاركك قذف كرات الثلج ...... ثم طريقي الطويل من ساحة القرية حتى آخرها من ناحية الجبل ، لطالما خططت لاستكشافك مع الرفاق أيها الجبل ، لكن لم يخطر ببالي أنني سأخطو في طرقاتك وحدي يوما أفيق من تأملاتي لأبصر الباب النحاسي الأصفر.....شديد الارتفاع أنت يا باب ....إنني حتى لا أكاد أتبين تلك النقوش على طرفك العلوي ........أطرق الباب بأناملي الصغيرة، ليفتح لي راهب حليق الرأس مثلي ، غاية في البروز عظامه .....لربما فتح ذات الباب لكل رفاقي الذين سبقوني ......سأراهم اليوم بالتأكيد.......أستدير لألقي نظرة أخيرة على العالم الخارجي.......مهلا ! ......هذا اللاما على المدى هناك ، وجهه جد مألوف....كيف سار خلفي كل هذا الطريق من البيت وأنا لا أدري؟ .....إنه يضرب الصخرة بحافريه ليتناثر الثلج حولها، إنه يودعني " وداعا يا نان تشو .......بلغ سلامي إلى أمي ، و إليها.
.