الإسرائيليات و نماذج للأحاديث الموضوعة
هناك خمسة شروط وضعها علماء السنة لقبول الأحاديث النبوية : ثلاثة منها في السَند (روى فلان عن فلان عن فلان ) و اثنان في المتن (نص الحديث ) و هو أنه يجب ألا يكون شاذا و ألا تكون به علة قادحة فإذا اضطرب أحد هذه الشروط نزل الحديث عن درجة الصحة _ إنه لا خلاف بين المسلمين في العمل بما صحت نسبته لرسول الله وفق أصول الاستدلال التي وضعها الأئمة ،و انتهت إليها الأمة...إنما ينشأ الخلاف حول صدق هذه النسبة أو بطلانها ...و هو خلاف لا بد من حسمه ،ولابد من رفض الافتعال أو التكلف فيه
نماذج لأحاديث موضوعة ( من كتاب السنة النبوية بين أهل الفقه و أهل السنة للإمام محمد الغزالي )
أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه 0 و قد أنكرت عائشة هذا الحديث عندما سمعته و حلفت أن الرسول ما قاله و قالت بيانا لرفضها إياه : أين منكم قول الله سبحانه ( لا تزر وازرة وزر أخرى ) .... إنها ترُد ما يخالف القرآن بجرأة و ثقة و مع ذلك فإن هذا الحديث المرفوض من عائشة ما يزال مثبتا في الصحاح
و حديث الآحاد يفقد صحته بالشذوذ و العلة القادحة و إن صح سنده .... فأبو حنيفة يرفض حديث ( لا يُقتل مسلم في كافر ) مع صحة سنده لأن المتن معلول بمخالفة النص القرآني ( النفس بالنفس ) و على هذا لو قتل فيلسوف كانس طريق ، قُتل فيه لأن النفس بالنفس و هذا أقرب إلى احترام النفس البشرية دون نظر إلى البياض و السواد ، أو الحرية و العبودية ، أو الكفر و الإيمان
عن أبي هريرة عن رسول الله قال : جاء ملك الموت إلى موسى عليه السلام فقال أجب ربك ، فقال : فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها ! ، فرجع الملك إلى الله تعالى فقال : إنك أرسلتني إلى عبد لك لا يريد الموت و قد فقأ عيني ، قال : فرد الله إليه عينه ،و قال ارجع إلى عبدي فقل له : ارجع إلى عبدي فقل له : ألحياة تريد .........و هذا الحديث صحيح السند و لكن متنه يثير الريبة ، إذ يفيد أن موسى يكره الموت ، ولا يحب لقاء الله بعدما انتهى أجله و هذا المعنى مرفوض بالنسبة إلى الصالحين من عباد الله كما جاء في حديث آخر ( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، و من كره لقاء الله كره الله لقاءه ) فكيف بأنبياء الله ؟ و كيف بواحد من أولي العزم مثل موسى عليه السلام ؟ إن كراهيته للموت بعدما جاءه ملك الموت أمر مستغرب ! ثم هل الملائكة تعرض لهم العاهات التي تعرض للبشر من عمى أو عور ؟ ذاك بعيد
و الذي ساءني عندما رجعت إلى الحديث في أحد مصادره أن الشارح ( المازري ) جعل رد هذا الحديث إلحادا ! و شرع يفند الشبهات الموجهة إليه بأن فقأ العين على المجاز و المراد أن موسى حاجه فغلبه بالحجة ، ويقال : فقأ فلان عين فلان إذا غالبه بالحجة ! و في هذا ضعف لقوله : فرد الله عينه ( و هذا يدفع كون فقأ العين على سبيل المجاز ) و هذا الدفاع كله خفيف الوزن و هو دفاع تافه لا يساغ
و من وصم منكر الحديث بالإلحاد فهو يستطيل على أعراض المسلمين و الحق : أن في متنه علة قادحة تنزله عن مرتبة الصحة . و رفضه أو قبوله خلاف فكري و ليس خلافا عقائديا . و العلة في المتن يبصرها المحققون و تخفى على أصحاب الفكر السطحي
و أخيرا فهذا الحديث و أمثاله مما لا صلة له بعقيدة أو سلوك قارُ في مكانه تعدوه العين إلى المهم من تعاليم الإسلام العملية ، فمن شغل الناس به؟ ، و نسب الإلحاد إلى من ينكره ؟! إن أعداء الصحوة من وراء هذا العمل الطائش
و قد رفض الأئمة أحاديث صح سندها و اعتل متنها فلم تستكمل بهذا الخلل شروط الصحة ....
هذا و أن اليقين الثابت بالعلم و بالوحي لا يجوز أن يتقدم عليه ظن علمي يرويه حديث آحاد ، يزعم فيه الراوي أن الأنوثة تنشأ من علو ماء الأنثى على ماء الرجل ! إن حديث الآحاد يتأخر حتما أمام النص القرآني ( و أنه خلق الزوجين الذكر و الأنثى من نطفة ...) و أيضا أمام الحقيقة العلمية و الواقع التاريخي ، أو يتأخر كما يقول المالكيون أمام عمل أهل المدينة ،و أمام القياس القطعي كما يقول الأحناف
كان عمر رضي الله عنه يشغل نفسه و يشغل الناس معه بالقرآن الكريم و يأمر الجيوش أن تلهج به و تعكف عليه . و من أقضيته التي استند فيها إلى القرآن وحده : ما رواه ابن إسحاق ، قال : كنت جالسا مع الأسود بن يزيد في المسجد الأعظم ، و معي الشعبي فحدث بحديث فاطمة بنت قيس أن رسول الله لم يجعل لها سكنى ولا نفقة _ و كانت قد طُلقت ثلاث مرات _ فأخذ الأسود كفا من حصى فحصبه به ! ثم قال : ويلك تحدث بمثل هذا ؟ قال عمر : لا نترك كتاب ربنا و سنة نبينا لقول امرأة لا ندري حفظت ام نسيت ، لها السكنى و النفقة . قال تعالى : لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) و حديث فاطمة المذكور هو موضع خلاف بين الفقهاء ، رفضه الأحناف و يرى المالكية و الشافعية : أن المطلقة ثلاثا لها السكنى دون النفقة
و لمن شاء أن يدرس القضية في مصادرها و الذي يعنينا منها : أن عمر جعل ظاهر القرآن هو السنة التي تُتبع ، و لهذه المرأة نفسها :فاطمة بنت قيس حديث آخر في سياق طويل قالت فيه أن الدجال موجود في إحدى الجزر ببحر الشام أو بحر اليمن ، مشدود الوثاق و قد رآه تميم الداري بعدما غرقت السفينة التي كان يركبها هو و صحبه و تحادثوا معه و هو موشك على الخروج ! إن أساطيل الرومان و العرب و الترك و الفرنج تجوب البحرين الأبيض و الأحمر من بضعة عشر قرنا و لم ترهذه الجزيرة و في عصرنا هذا طرق كل شبر في البر و البحر و التقطت صور لأعماق المحيطات بالأقمار الصناعية فأين تقع هذه الجزيرة ؟! و أخيرا تذكرت قول عمر و هو يرد على حديث نفقة المطلقة ثلاثا : لا ندع كتاب ربنا و سنة نبينا لحديث امرأة لا ندري حفظت أم نسيت ؟ ...قلت : و نحن لا نعرض كتاب ربنا و سنة نبينا للتكذيب من أجل حديث السيدة نفسها ، في قضية أخرى
ذلك و هناك قضايا لا يجوز فيها التساهل لخطورتها ، و قد شعرت بالغيظ و أنا أقرأ أن يهوديا سحر النبي عليه الصلاة و السلام و أعجزه عن مباشرة نسائه مدة قدرها ابن حجر بستة شهور!! أكذلك تنال القمم ؟ و قد سرني أن الشيخ محمد عبده قد رفض هذا الحديث ، و هذا فضلا عن كون سنده معلولا و هناك من الأحاديث ما هو مرفوض لضعف متنه و سنده معا كحديث الحمار يعفور و هو حديث مضحك فضلا عن كونه موضوع و واضعه يتمتع بحس فكاهي واضح و كذلك حديث الغرانيق فهو حديث منكر من جميع أهل السنة و الجماعة و موضع رواته معروف عند أئمة الجرح و كتب الرجال
هذا و يجب على المسلم أن يستهدي بفطرته في تجنب الضعيف و قبول الصحيح من الأحاديث النبوية و هي فطرة تصقلها التلاوة الدائمة لكتاب الله ، و الحب الصادق لهذا الوحي المبارك ، و الدراسة الحسنة لمناهج الفقهاء الأربعة الكبار و من يليهم من أهل الذكر و قادة الفكر .
ذاك ما هديت إليه ، فإن كان حقا فمن الله و إن كان خطأ فمني و أستغفر الله أولا و آخرا
Wednesday, August 29, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment