وهكذا من الإمام البخاري وتلميذه مسلم مرورا بأحمد بن حنبل والحافظ الدارقطني وابن حزم، وصولا إلى الإمام محمد الغزالي ووزير الأوقاف الأسبق، لم يحدث أي عمل جدي لغربلة الأحاديث وطرح ما يخالف القرآن منها جانبا ولم يكن هناك مؤلفات حقيقية تصلح لتكون نواة لهذا المشروع الضخم، اللهم سوى كتاب حول الإسرائيليات في كتب التفاسير القرآنية والأحاديث ألفه محمد أبو شهبة في أوائل السبعينيات بتكليف من الإمام الأكبر عبدالحليم محمود، ومن يومها ونحن لا نرى سوى التصريحات، فنقرأ في الصحف أن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في الأزهر وضع خطة لتنقية كتب تفاسير القرآن الكريم من الإسرائيليات، وما تتضمنه من خرافات وأباطيل وأخبار لا أصل لها، وأنهم بدأوا بالفعل بتفسير النسفي ووزعوا نسخا منه على الأعضاء، ويؤكد الدكتور مصطفى الشكعة [عضو مجمع البحوث الإسلامية] في حوار مع الدستور في سياق الحديث عن دور المجمع في تنقية الأحاديث أنهم يقومون بعملهم بالفعل وأنهم يبحثون في الكتب التي شاع عنها أن بها أحاديث مغلوطة كثيرة وسينتهون بالبخاري ومسلم، ويؤكد لنا فضيلة المفتي علي جمعة في حديثه مع محمود سعد في سياق رده على سؤال حول تنقية الأحاديث في برنامج اليوم السابع أنهم أحدثوا آلية للتصحيح والتضعيف بالفعل (هذا الكلام مر عليه الآن ثلاث سنوات) ثم لا شيء، نعود من حيث بدأنا، لكن تخاذل الأزهر هذا عن القيام بدور كان منوطا به منذ نصف قرن أعطى الفرصة للقرآنيين وغيرهم ممن ينكرون السنة كلها أن يكتسبوا أرضية أوسع ويعلو صوتهم أكثر وأكثر.
أعلم أن البعض ممن يرون في أنفسهم حمية على الدين يرفضون هذا المشروع ويتحججون أن كتب الصحاح قد تلقتها عامة المسلمين بالقبول عبر العصور، وهذا فيه غلو كبير، صحيح أن كتاب البخاري تلقى قبولا عاما من أهل السنة عبر التاريخ لكن عندما ذاعت وانتشرت أحاديث مثل رضاع الكبير أو حديث الغرانيق في رواية آيات شيطانية الشهيرة (الذي يروي أن الشيطان ألقى على لسان النبي مدحا لأوثان العرب، خر بعدها النبي والكفار سجدا في لحظة درامية أمام الأصنام قبل أن ينسخ الله كلام الشيطان ويظهر الحق) حصل أيضا إجماع بين عامة المسلمين وعلمائهم على رفض هذه القصة السينمائية سندا ومتنا، ثم أن عامة المسلمين أصلا لا يمتلكون نسخا من كتب الصحاح بل أن معظمهم يلاقون ربهم دون أن يقرأوا كتابا واحدا من هذه الكتب، فكيف نقبل منهم إجماعا على ما ليس لهم به علم؟ هل يمكن أن يرضى عامة المسلمين عن أحاديث مثل التي ينقلها فضيلة الشيخ محمد سعيد حوى في مقاله وجوب تنقية كتب السنة هذا؟
http://www.manbaralrai.com/?q=node/47310
هناك العديد من الكتب التي ألفها علماء إخواننا الشيعة عبر القرون الماضية في نقد كتب الصحاح السنية، وبالرغم من أنها وضعت أساسا كمحاولة لتسجيل الأهداف في مرمانا السني الرحب إلا أن معظمها يمتاز بموضوعية ودرجة عالية من الأمانة لا يتوافر في معظم المؤلفات غير الإسلامية التي تفوح منها - إلا ما ندر - رائحة التطرف والمغالاة في الكراهية، هذه الكتب الشيعية تساعد كثيرا في فهم الجانب المذهبي المتعلق بوضع الأحاديث، سواء في فضائل الصحابة أو مثالبهم، خاصة مجموعة الصحابة الذين يتطرف الشيعة في معاداتهم مثل السيدة عائشة وعمر بن الخطاب، خذوا مثلا ما أخرجه البخاري في باب الحوض الجزء الرابع من صحيحه عن أبي هريرة أن النبي قال : يرد علي الحوض رجال من أصحابي فيحلاءون عنه فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى، وغير هذا كثير من مزاعم الشيعة التي تسربت رويدا إلى كتب السنة بفضل القمع السياسي لهم واضطرارهم إلى التقية وعدم المجاهرة بمذهبهم.
من هذه الكتب الشيعية "القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع" لشيخ الشريعة الميرزا الأصبهاني المولود عام 1266 هـ، وأضواء على الصحيحين للشيخ محمد صادق النجمي، ونظرة عابرة إلى الصحاح الستة
للمفارقة ستجدون دفاعا حسنا عن النبي مما نسبه إليه أسلافهم (وأسلافنا) من نقائص تتعارض مع القرآن الكريم، هنا لا ينبغي لنا أن نأخذ الأمر بحساسية مذهبية مقيتة، فلنفتح آذاننا وقلوبنا ونتعلم.