عمر الفرد على هذا الكوكب الأرضي قصير ، و أيامه في هذا العالم الفاني محدودة . و رغبة الفرد في أن يعيش رغبة فطرية ، و حاجاته على الأرض لا تنقضي ، و آماله غير محدودة.
و لكنه يموت !
يموت و في نفسه حاجات ، و يترك على الأرض آماله ، كما يترك من خلفه أعزاء يفجعه أن يفارقهم ، و يفجعهم أن يغيب . فهلا كان لقاء بعد ذلك المغيب ؟
هذه واحدة .
و ينظر الإنسان، فيرى الخير و الشر يصطرعان ، و يشهد معركة الرذيلة و الفضيلة - أو ما يعتقده رذيلة و فضيلة - و الشر عارم ، و الرذيلة متبجحة ، و كثيرا ما ينتصر الشر على الخير ، و تعلو الرذيلة على الفضيلة ، و الفرد - في عمره المحدود - لا يشهد رد الفعل ، و لا يرى عواقب الخير و الشر .
فأما حين كان هذا الإنسان طفلا ، أو حين كان يحيى على شريعة الغاب ، فلا ضير في ذلك ولا ضرار ، إنما الأمر قوة ، و الحياة للأغلب ! و أما حين أخذ ضميره يستيقظ ، فقد عز عليه ألا تكون للخير كرة و ألا يلقى الشر جزاءه ، و الاعتقاد بوجود إلوهية عادلة يستتبع حتما جزاء على الخير و الشر ، إن لم يتم في الأرض في هذا العالم فلابد أن يتم هناك في عالم آخر .
و هذه ثانية .
ثم أيكون مصير هذا الجنس البشري الذي عمر الأرض و صنع فيها ما صنع ، كمصير أي حشرة أو دابة أو زاحفة : حياة قصيرة محدودة لا يتم فيها شيء كامل أبدا ، ثم ينتهي كل شيء إلى الأبد ؟ ...... لقد عز عليه أن يكون مصيره هو هذا المصير البائس المهين .
و هذه ثالثة
من هذه الينابيع الثلاثة التي تفجرت في الضمير الإنساني - واحدا بعد الآخر - فاضت فكرة العالم الآخر ، و كما دل النبع الأول على شعور الإنسان بقيمة الحياة ، و دل النبع الثالث على اعتزازه بجنسه ، و انتظاره أن تحسب القوى الكونية حسابا له ، فلا تجعل ختامه هو هذه الحياة الفردية القصيرة .... فكذلك دل النبع الثاني على استيقاظ ضميره ، و تنبه إحساس العدالة فيه ، و الثقة بمصاير الرذيلة و الفضيلة و الخير و الشر .
و هذه الينابيع الثلاثة هي "الإنسانية" في أعمق أعماقها و أعلى آفاقها .
من مقدمة كتاب "مشاهد القيامة في القرآن الكريم" لسيد قطب
الكتاب يمكن تحميله من هذا الرابط المباشر
http://www.mohdy.name/pdfs/sqotb005.pdf
و هنا الإسلام و مشكلات الحضارة
http://www.mohdy.name/pdfs/sqotb007.pdf
يا ريت نرى مشاركات بعد قراءة الكتاب كاملا
Saturday, December 22, 2007
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
2 comments:
أختلف معه في المقدمة
فاول وعي الانسان بالعالم الاخر لم يأت عن طريق تطور الضمير الانساني
ولكن عن طريق الوحي
مع ادم وابنائه
و الله يا شدو أنا مستغرب زيك من مغزى كلامه ، في الآخر خدته على إن دي مميزات الإيمان بالمقارنة مع عدم الإيمان بالعالم الآخر بس حاول يكتبها بأسلوب الغربيين
Post a Comment