Sunday, October 28, 2007

في حسن الخلق

من ترك الشهوات كان حرا
إمام علي

ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق
أبو داود 4799 ، الترمذي 2003

أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا
إمام أحمد 2/250 أبو داود 4682

إن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم خلقا
الترمذي 2018، أحمد 2/207

أكثر ما يدخل الناس الجنة : تقوى الله و حسن الخلق
ترمذي 2004 ، ابن ماجة 4246

جاء وفد إلى النبي "ص" فقالوا : يا رسول الله من أحب عباد الله إلى الله تعالى ؟ قال : أحسنهم خلقا
مسند أحمد 4/278 و ابن ماجة 3436

" إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، فسعوهم ببسط الوجه و حسن الخلق"
و يقول : ألا أخبركم بأحبكم إلي ، قالوا :بلى يا رسول الله ، قال ألا أخبركم بأحبكم إلي ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : أحسنكم خلقا

ويروى أن عتبة بن ربيعة جاء إلى النبي بمكة في فترة الإيذاء الشديد للمسلمين يقول كلاما سخيفا ... يعرض عليه مالا ليترك دعوته ، و يعرض عليه الرئاسة ، و يعرض عليه طبيبا إن كان قد أصابه الجنون ، و مع ذلك ترون كيف جادله النبي "ص" ؟
قال له : قل يا أبا الوليد أسمع . فلما انتهى قال له النبي : أفرغت يا أبا الوليد ؟

و يقول النبي : اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدثتم ، و أوفوا إذا عاهدتم ، و أدوا إذا ائتمنتم ، و احفظوا فروجكم ، و غضوا أبصاركم ، و كفوا أيديكم "

" كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك به مصدق وأنت له به كاذب
أبو داود 4971 و أحمد 8384



إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ، يعظكم لعلكم تذكرون
النحل 90

و الكاظمين الغيظ ، و العافين عن الناس ، و الله يحب المحسنين
آل عمران 134

Saturday, October 27, 2007

جنيه إدريس


عندما صدر الجنيه المصري عام 1924 استقبل الجميع الصورة المطبوعة عليه بدهشة بالغة و لم يستطع أحد التعرف عليها .
لم تكن على الجنيه صورة للسلطان العثماني الذي كانت مصر ولاية تابعة له على مدى ما يقارب نصف قرن من الزمن ، فقد كانت الدولة السنية في ذلك الوقت تلفظ أنفاسها الأخيرة ، و كان سلطانها محمد السادس يبدو رجلا طاعنا في السن كدولته ، شاربه الأبيض الكثيف متراخ ، و في عينيه نظرة ساهمة و حزينة ، كان قد جاء إلى العرش بالمصادفة بعد أن انتحر و أصيب بالجنون كل الذين كانوا أقرب إلى العرش منه ، و كانت إمبراطوريته قد تلقت هزيمة مروعة في الحرب العالمية الأولى ، و بعد أن كانت تحتل رقعة هائلة من العالم أصبح قلبها محتلا ، تعبث فيه الجيوش الإنگليزية و الفرنسية و حتى اليونانية ، و كان احتلال هذه الأخيرة أقسى على قلب السلطان من أي شيء آخر ، فالأتباع السابقون تحولوا فوق أرضه إلى سادة آمرين ، و كان أمله معلقا بقائد وحيد كالذئب الأغبر ، هو مصطفى كمال حتى ينقذ مملكته و عرشه ، و لكنه كان يدرك أيضا بحكم خبرته الطويلة أنه ما إن يستأثر هذا القائد بالسلطة حتى يعزله من على عرشه ، كان مثل كل سلاطين نهايات الدول ، خانعا و طيبا ، مستسلما لقدر السقوط الذي يلاحقه ، لذلك لم يكن غريبا أن يركب السفينة ذاهبا إلى المنفى طائعا بعد سنوات قلائل من عهده لتنقضي من بعده دولة آل عثمان للأبد .
و لم يكن الجنيه أيضا يحمل صورة مصطفى كامل ، الرجل الذي بذل سنوات عمره القصير ليعلم المصريين أن يكونوا جديرين بمصريتهم ، أن يستيقظوا من سباتهم العميق ، و من رضوخهم لإهانات الاحتلال الإنگليزي و تقبلهم لصنوف الحكام الجائرين الذين يقهرونهم بدلا من الدفاع عنهم ، كان هو الوحيد الذي ناصب اللورد كرومر العداء وقت أن كان حاكما مطلقا يتذلل له الكبراء و الوزراء و السلاطين ، كان مصطفى كامل أفندي نحيل القامة ، أخذ شهادة القانون من باريس ، و رأى كيف تعيش الأمم الحرة ، فوقف يدافع عن أرواح الفلاحين في قرية دنشواي ، كان الزعيم الوحيد و ربما حتى الآن الذي أصر على ألا تذهب أرواح المصريين بلا ثمن و أنهم مثلهم مثل بقية الخلق نفوس فطرها الله لها حياتها الخاصة و تواريخها الخاصة يجب ألا تهدر ، بحجة أن أعدادها كثيرة و أنها كحبات الليمون ، تعصر دون أن تحصى ، و لكن عزيمته كانت أقوى من جسده ، و كانت روحه الوثابة أكبر من أن تسكن في هذا الهيكل النحيل ، لذا غادرته و هو في سن السادسة و الثلاثين ، و تركت في نفوس المصريين حزنا آسيا حتى الآن .
و لم يكن الجنيه أيضا يحمل صورة الملك الجديد فؤاد الأول بشاربه المبروم و صدره المنفوخ و تلك النياشين التي تغطيه و التي لا يعرف أحد من أين جاءت ، كان ملكا غريبا على الجميع ، واحدا من أمراء أسرة محمد علي التي كان يسري الدم المجنون في عروقها منذ الجد الأول ، و لكنه كان أقلهم ذكرا ، كان أبوه إسماعيل حاكما مليئا بالأحلام العظيمة ، و ساذجا و مسرفا من الناحية المالية ، وقع في فخ الديون الأوربية و مازال الفخ منصوبا حتى الآن ، و كان أخوه الخديو توفيق أشهر الخونة الذي قضى على ضباط جيشه الوطنيين و قدمهم لقمة سائغة للمحتل البريطاني ، فأي مجد أو أي جدوى أن تظهر صورته على جنيه الدولة المستقلة و لو كان هذا الاستقلال رسميا .
كانت على الجنيه صورة شخص غريب لا يعرفه أحد ، فلاح مصري ، لونه يحمل سمرة الجنوب ، و لحيته يخالطها الشيب ، و نظرته فيها نوع من القناعة و الرضا بالمقسوم ، على رأسه عمامة و فوق كتفه عباءة عباءة بسيطة ، دون أبهة أو نياشين ، و اعتقد الجميع أنها صورة للفلاح المصري الذي طالما وهب الحياة لهذا الوادي ، و أن هذا اعتراف متأخر بالجميل جاء من أرومة ألبانية تركية طالما امتصت دمه ، و لكن الأمر كان أبعد ما يكون عن ذلك .

الرافض للعرش

قال الأمير كمال الدين و هو ينتفض : لا أريد هذا العرش
نظر إليه السلطان حسين كامل مذهولا ، كان راقذا فوق فراش مرضه الأخير و قد جف ماء الحياة من بدنه و لم يعد في انتظاره سوى القبر ، و لكن كلمات ابنه ملأته بالغضب ، قال في مرارة : لقد فعلت كل شيء و قبلت كل شيء حتى تجلس حضرتكم على هذا العرش . كان قد قبل الإهانات و قام بالتنازلات و تحمل سخرية الصحف المعارضة و قصائد الزجل المسمومة و نظرات الاحتقار من زوجته و زوجة ابنه و التذلل أمام صغار الموظفين الإنگليز و مقاطعة طلبة المدارس له ، كل هذا قبله السلطان حسين كامل مقابل شيء واحد : أن ينتقل العرش من بعده إلى ولده الوحيد ، و لكنه يقف الآن عنيدا و رافضا ، كانت ملامح الشاب الصغير أقرب إلى شاعر حالم منها إلى أمير تركي عنيد ، كان يميل دوما إلى العزلة و الانطواء ، مع نوع من الرهافة الأنثوية طالما كرهها السلطان ، ولابد أن تربيته وسط خمس من الأخوات البنات قد تركت أثرها في شخصيته ، قال الأمير : لا يهمني ما فعلتم ، لن أجلس على هذا العرش الملعون مادمت حيا . صاح السلطان بكل مافيه من قوة الاحتضار : لن تبقى حيا بعد اليوم ، لأنني سأنهض و أخنق حضرتكم بيدي هاتين . و فوجيء السلطان بابنه يخرج من جيبه مسدسا و يوجهه إلى رأسه و يهتف في صوت صارم : لا تتعبوا فخامتكم أنفسكم ، سأقوم بذلك الآن ، أمامكم .
شهق السلطان ، أحس بقلبه على وشك التوقف ، صاح به : اخفضوا المسدس و اذهبوا إلى حيث تشاءون ، لعنة الله عليكم و على العرش . أغمض السلطان عينيه و تذكر لحظة عرض عليه هذا العرش الضائع ، كانت أتون الحرب العالمية الأولى مشتعلة ، و الإنگليز الذين سلخوا مصر عن الدولة العثمانية ، و فرضوا حمايتهم عليها يبحثون عن حاكم يطيع أوامرهم ، و كان الخديو عباس الحاكم السابق قد غادر مصر دون أن يستطيع العودة ، كان قد راهن على انتصار ألمانيا و حليفتها تركيا في الحرب ، و كانت النتيجة أنه ظل باقيا رغم أنفه بجانب السلطان العثماني و هو يتلقى الهزائم ، و انتهى أمره حين عزله الإنگليز نهائيا . في تلك اللحظة لم يكن الأمير حسين كامل يرفض العرش حقا ، و لو حاول الإيحاء بذلك ، كل ما في الأمر أن زوجته ملك هانم كانت تدين بالولاء لأم الخديو السابق عباس ، و لم تنس أنها كانت واحدة من جواريها ، و ظلت تذكره في الفراش كل ليلة أن قبوله بالعرش هو نوع من الخيانة ، يضاف إلى ذلك أن ابنه الوحيد كمال الدين حسين كان متزوجا بابنة الخديو السابق و كانت هي أيضا ترى أن حماها سيكون الخائن الأكبر إذا قبل هذا العرش ، و لم ينصفه الإنگليز أيضا ، لم يشاءوا أن يعطوه لقب الملك بدلا من لقب الخديو الذي ألغي مع انفصال مصر عن تركيا ، لم يكن الإنگليز يرون في الكون كله إلا ملكا واحدا هو الجالس على العرش البريطاني ، أعطوه لقب السطان ولا شيء غير ذلك ، لا حرية في اختياره لعلم سلطنته و لأعضاء وزارته ولا استقلاله الذاتي ، لم يكن من حقه أن يطلب كان واجبه فقط ان يطيع .
و ظل الأمير حسين كامل يتحجج ، و لكنه أصيب بالذعر عندما اكتشف أن أغاخان يزور القاهرة بدعوة من السلطات الإنگليزية ، لقد حسب أن زعيم الطائفة الإسماعيلية قادم لكي يجلس على العرش ، و ربما كان الأمر كذلك بالفعل ، فالإنگليز كانوا قد ضاقوا ذرعا بتردده ، لذا فقد تخلى فجأة عن تعنته الشكلي و وافق على القبول بشرط وحيد ، هو أن يرث ابنه العرش من بعده ، و حتى هذا الأمر لم يأخذ به إلا وعدا غامضا ، و لم يوافقوا عليه إلا بعد سنوات من التوسلات .
و لكن هاهو كل ما عمله يتردى ، و الأمير العاصي ينصرف من أمامه فرحا بحريته ، و لم يبق أمام السلطان إلا أن ينتظر الموت و هو يردد لنفسه : غدا سوف تتنازع كلاب أسرة محمد علي على هذا العرش الخالي

Thursday, October 18, 2007

و القابل بالعرش

كانت سفينة الركاب الإيطالية تستعد لدخول ميناء الإسكندرية ، عندما سمع الأمير فؤاد بهذا الحلم لأول مرة . كان ما يشغله وقتها و هو يراقب البيوت البيضاء و صفوف النخيل التي تقترب ، هو كيف يتسلل من السفينة إلى المدينة دون أن يعرف أحد أنه كان مسافرا في أدنى درجة بها ، دون قمرة أو جناح يليق به كأمير و كأخ لسلطان مصر ، كان قد أفلت من روما من ديون القمار و من الراقصات اللواتي كتب لهن شيكات بلا رصيد ، و من قروض محلات الرهونات ، كانت العشرون عاما التي قضاها متسكعا قد قادته إلى الإفلاس ، لم يبق أمامه إلا أن يعود إلى القاهرة ليختفي في صمت ، حتى لا يعلم أصحاب الديون فيها بوصوله و تبدأ المطاردة من جديد . في تلك اللحظة اقترب منه تابعه "إدريس الأقصري" الوحيد الذي بقي معه بعد أن هجره الجميع ، كانت ابتسامته تنير وجهه الأسمر و كان مازال محتفظا بجلبابه و عمامته الجنوبية ، لم يتخل عنهما بالرغم من الأيام الكثيرة التي قضاها في أوربا متسكعا في أثر سيده ، قال له : يا أفندينا ، لقد رأيت رؤيا أريد أن أقصها عليكم ، لم يلتفت فؤاد إليه ، كان ما في داخله من هموم أكبر من مجرد حلم تافه لفلاح ، و كانت صافرة السفينة تزعق طالبة الإذن بدخول الميناء ، و لكن إدريس العنيد أصر على مواصلة الكلام : لقد حلمت أنك أصبحت ملكا لمصر . و انتبه فؤاد فجأة إلى تلك الكلمات المستحيلة من فرط غرابتها ، كان يعرف أن السلطان مريض و لكن له وريثا ، و فوق ذلك فهناك في الأسرة من هم أكبر منه سنا و أكثر نفوذا ، كما أنه كان يشعر دائما بالغربة في ذلك البلد الذي لا يجيد لغة أهله ، و لو كان الأمر بيده لقضى كل حياته في الخارج ، و لولا هذه الديون الثقيلة التي تطارده ما فكر في العودة ، و لكن إدريس عاد يلح بالقول : رأيتكم يا أفندينا و أنتم تجلسون على عرش قصر عابدين ، و رأيت رشدي باشا الوزير الأكبر و هو يقبل أياديكم ، و رأيت كل الأمراء و على رأسهم الأمير عبد المنعم و هم ينحنون أمامكم . صاح في فؤاد أخيرا : اصمت . كانت السفينة قد دخلت الميناء بالفعل ، و فؤاد يرتجف خوفا من أن يتعرف عليه أحد ، و لكن كلمات الأقصري كانت تطن في أذنيه ، توقظ داخله أمنية مستحيلة ، على الرغم من أنها الإنقاذ الوحيد من ورطته و مهانته التي طالت أكثر مما ينبغي ، قال و هو يضحك في جفاف : لقد كبرت و خرفت يا إدريس
و بدآ يستعدان للنزول من السفينة ، و لكن ما إن خرجا من بوابة الميناء حتى كانت المفاجأة الأولى في انتظارهما ، كان هناك بائع صغير يحمل جريدة المقطم الداكنة الأوراق و هو يصيح بأعلى صوته : اقرأ آخر خبر ، الأمير كمال الدين حسين يتنازل عن العرش ، اقرأ المقطم .... و توقف الأمير فؤاد و تابعه ، نظر كل منهما إلى الآخر مذهولا ، اشترى واحدة من الغلام ، ولأن الأمير لم يكن يجيد العربية فقد أعطاها لتابعه الذي أخذ يقرأها بلهجته النوبية المتكسرة ، كان الخبر صحيحا ، و كان الامير كمال الدين حسين قد أرسل خطابا رسميا بذلك ، و لكن كان هناك خبر آخر في نفس الصحيفة ، الأمير عبد المنعم أكبر أفراد الأسرة و ابن الخديو عباس يستعد للذهاب إلى انگلترا ، و هتف فؤاد في خيبة أمل : لقد ذهب ليطالب بعرش أبيه و سوف يظفر به و بقي الأمر ، مجرد حلم لفلاح عجوز ، لم يأبه أحد بالأمير الغريب العائد ، حتى الدائنون كأنهم قد يئسوا من استرجاع ديونهم ، و حتى عندما طلب فؤاد الإذن لمقابلة أخيه السلطان المريض لم يأذن له ، لم يكن يريد أن يمنحه مالا ، و الأهم من ذلك أن يدخله إلى منطقة الضوء و يلفت أنظار الإنگليز إليه ، كان في داخله أمل واهن أن يتراجع ابنه الوحيد ، و كان بالفعل قد أرسل خلفه رئيس وزرائه رشدي باشا ليرجوه و يتوسل إليه حتى يعدل عن قراره و ظل فؤاد حبيس كآبته لا يقدر على التجول أو الذهاب إلى أي مكان ، و بدأ يرمق إدريس الأقصري في عداء ، و أحس إدريس بالذنب فأخذ يخفض رأسه خجلا ، و لكن فؤاد لم يكن يعلم ما يدور في الخفاء ، لم يعلم أن طلب الأمير عبد المنعم قد رفض ، و أن الإنگليز قالوا له بوضوح أن حقه في العرش قد سقط مع خلع أبيه ، و لم يعلم أن كمال الدين حسينغادر مصر بصحبة زوجته الثانية ، الفرنسية الأصل ، بعد أن صرح بأنه مسلم حقا و لكن لا وطن له ، لذا كان غريبا أن يستيقظ في الصباح على دعوة لمقابلة المستر وينگت ، كان طلبا غريبا و مفاجئا من المندوب السامي الذي يأتمر بأمره الجميع ، حضرة جناب اللورد الحاكم الحقيقي لمصر توقف فؤاد أمامه مذهولا ، كان قد ارتدى أفضل ما لديه من ملابس ، و حاول أن يبدو معتدا بنفسه دون أن يكون مفرطا في الغرور ، و لكن وينگت نظر إليه من أخمص قدميه إلى قمة رأسه ، كأنه يريد أن يقدر حجمه قبل أن يقدم له أي عرض ، لم يطلب منه الجلوس ، و لكنه قال في لهجة عسكرية صارمة : سنقوم بدفع كل ديونك
و لهج الامير بالشكر بالتركية و الإيطالية ، و لكنه كان يحس في داخله بالإهانة ، فقد بدا في سلوك الحاكم ، و الذي كان عسكريا سابقا أنه الذي يكره هذا النوع من المقامرين من أمثاله ، ثم قال له أخيرا : لقد اختارتك حكومة صاحب الجلالة لتكون ملكا على مصر أعتقد أن هذا مناسب لك ، لا تعلن هذا الأمر حتى يموت السلطان ، و عليك ان تلتزم بالأوامر التي سوف نوجهها إليك انصرف الأمير الذي أصبح ملكا و هو مذهول ، مصفر الوجه ، لدرجة أن المنتظرين في قاعة المندوب السامي حسبوا أنه تلقى توبيخا مميتا ، كما هي عادة وينگت مع الأمراء المفلسين ، لم يتفوه فؤاد بكلمة واحدة إلا بعد أن عاد إلى بيته ، وجد إدريس يصلي صلاة الظهر ، ظل واقفا حتى فرغ من الصلاة ، تطلع كل منهما إلى الآخر ، و ابتسم فؤاد أخيرا بعد سنوات من العبوس ، و هتف به : انهض يا إدريس بك و لم يستطع إدريس بك النهوض ، ظل جالسا مذهولا على سجادة الصلاة ، و عاد فؤاد يقول : لقد تحقق حلمك الغريب ، و سوف تكون صورتك على أول جنيه تصدره حكومتي و في يوم 4 يوليو 1924 صدر أول جنيه مصري عن الدولة المصرية التي ظفرت باستقلالها الشكلي و هو يحمل صورة إدريس بك الأقصري ، الذي عاش طويلا حتى شهد سقوط الجنيه الذي يحمل صورته و سقوط الملكية في مصر نفسها

Monday, October 15, 2007

في التواضع 2

و علي جمع الحطب
كان النبي في بعض أسفاره ... فأمر بإصلاح شاة ، فقال رجل : علي ذبحها ، و قال آخر : علي سلخها ، و قال آخر : علي طبخها ، فقال "ص" : و علي جمع الحطب ، فقالوا : نحن نكفيك يا رسول الله ، فقال : أعلم أنكم تكفوني ، و لكني أكره أن أتميز عليكم ، فإن الله يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه


إنما أنا رجل من المسلمين !

كانت لسيدنا علي زوجة بعد وفاة السيدة فاطمة ، فكان يجلس مع ابنه من هذه الزوجة و هو محمد بن الحنفية ، فقال محمد لأبيه : يا أبت من خير المسلمين بعد رسول الله ؟ فقال علي : أبو بكر الصديق ، قال ثم من ؟ قال : عمر بن الخطاب ، يقول محمد : فخشيت أن أقول له ثم من ؟ فيقول لي : عثمان ، فقلت له : ثم أنت
فقال : يا بني إنما أنا رجل من المسلمين



جاء وفد من العراق لمقابلة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقودهم الأحنف بن قيس و هو سيد من سادات العراق ، فحينما وصلوا وجدوا سيدنا عمر يغسل الإبل بنفسه ، و يقول : يا أحنف تعال أعن أمير المؤمنين على إبل الصدقة ، فقال رجل من الوفد : رحمك الله يا أمير المؤمنين ، هلا أمرت عبدا من عبيدك ينظف هذه الإبل ، فقال عمر : و أي عبد هو أعبد مني و من الأحنف بن قيس ، ألم تعلم أنه من ولي أمرا من أمور المسلمين كان لهم بمنزلة العبد من السيد ؟

في التواضع

"ماتواضع أحد لله إلا رفعه "
رواه مسلم 6535 و الترمذي 2029 و أحمد 2/386

" إن الله أوحى إلي أن تواضعوا ، حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد "
رواه أبو داود 4895 و ابن ماجة 4179

" لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر "
رواه مسلم 263 و أبو داود 4091

و يقول الله تعالى " ولا تصعر خدك للناس و لا تمشي في الأرض مرحا " لقمان 18

و الصعر مرض يصيب الإبل في رقبتها ، فلا تستطيع أن تعيد رقبتها مرة أخرى فتمشي تلوي رقبتها لأعلى

" إن الله خيرني أن أكون ملكا نبيا أو عبدا نبيا ، فاخترت أن أكون عبدا نبيا "
رواه الطبراني في المعجم الكبير حديث 12061

و يقول الصحابة رضوان الله عليهم : كان رسول الله إذا سلم لا ينزع يده حتى ينزعها الذي يسلم عليه ، و إذا سلم سلم بكلّيته ، ولا يصرف وجهه عنك حتى تصرف أنت وجهك ، و كان يجلس حيث انتهى به المجلس ، و كان هاشا باشا لا تلقاه إلا مبتسما ...

و من تواضع النبي أن جاءه رجل يرتعد - يحسب أنه سيدخل على ملك من الملوك - فقال له النبي : هون عليك فإني لست بملك ، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة !

و في يوم فتح خيبر عاد النبي منتصرا على فرسه و الكل في انتظاره ، فلما وصل قال " أين البغلة ؟" فنزل عن فرسه و ركب البغلة تواضعا لله

و كانت الجارية - الأمة أو البنت الصغيرة - تأخذ بيد النبي ، فلا ينزع يبده منها فتخرج إلى المدينة تشتري حاجتها فيكون معها حتى تعود .

كان النبي في خدمة أهله يرقع ثوبه و يخصف نعله و يحلب شاته و يخدم نفسه
رواه الإمام أحمد في الحديث 6 / 167